رمضان فرصة لكل مسلم للاستثمار، وللاتجار مع الله عز وجل، وهو فرحة لكل مذنب للمحاسبة والتوبة والرجوع والتعويض، حتى أن الفاسقين يحرصون على رمضان وعلى الخيرات فيه، من صلوات وصدقات وقربات، وهذا أمر مشاهد ومحسوس.
إلا أنك تجد في السنوات الأخيرة كثيراً من شبابنا غفلوا عن أهمية رمضان وقيمته، وعن فضل ساعاته ولياليه، فلم تعد تؤثر فيهم تلك الروحانيات، ولا ذلك الجو الإيماني الجميل الذي يعيشه المجتمع المسلم من حولهم، ففقد أولئك المساكين لذة رمضان، ولذة مناجاة ربهم، ولذة التضرع والانكسار والافتقار إلى الله عز وجل، ولذلك ما أقول إلا: قم لزيارة إلى الأرصفة في كل مدينة من مدننا لتجد مئات الشباب يتناثرون طوال الليالي من رمضان على امتدادها، ولتقف على الحلقات المعقودة لصفقات البلوت وما يصاحبها من صرخاتٍ وسبابٍ وشتامٍ، والنتيجة فرقة ونزاع وخصام، هذه كلها أوزار يحاسب عليها العبد، وهذه كلها تضييع للأوقات والأعمار، خاصة خلال هذه الليالي الفاضلة.
ومن خلال هذه الدراسة تبين أيها الأحبة! أن أكثر الليالي احتداماً لحلبات الصراع -أي: صراع البلوت- هي ليالي رمضان وللأسف، وربما عقدت هذه الحلبات من بعد صلاة الفجر إلى ما يقرب من صلاة الظهر أو العصر عياذاً بالله.
في رمضان الناس يركعون ويسجدون، وأولئك في صراخ وخصام.
في رمضان الناس يقلبون صفحات القرآن، وأولئك يقلبون صفحات البلوت.
في رمضان الناس تلهج ألسنتهم تسبيحاً لله، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وأولئك تلهج ألسنتهم بـ (شيريا) و (سبيت) و (سبيل) و (بنت) و (شاكوش) و (ولد) ، وغيرها من ألفاظ وألقاب تلك الورقة.
في رمضان الناس يسألون الله عز وجل العفو والعافية والفردوس الأعلى، وأولئك يسألون الله (صن حكم ٤٠٠) والعياذ بالله.
أين أنتم يا شباب؟ أين عقولكم؟ لماذا لا نفكر؟! أسألكم بالله، ألستم بحاجة إلى العمل الصالح؟ ألستم بحاجة لمحو السيئات؟ أو نقرأ أيها الشباب! سير أجدادنا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم أنهم هجروا حلق العلم والدروس، لماذا؟ من أجل التفرغ للعبادة وقراءة القرآن وكثرة الذكر في هذا الشهر، أما أنتم فقد هجرتم العبادة، وهجرتم قراءة القرآن وتركتم الذكر، من أجل ماذا؟ من أجل البلوت والجلوس على الأرصفة والرياضة وغير ذلك، فرمضان يشكو هجركم أيها الشباب! رمضان شهر القرآن والغفران والجنان رمضان شهر العتق من النيران رمضان شهر الصيام والقيام رمضان شهر التذلل والافتقار، والخضوع والانكسار، رمضان الشهر الذي يفخر ويعتز فيه كل مسلم على وجه الأرض، وشبابنا يضيعونه بالجلوس على الأرصفة، ولعب البلوت، والرياضة والغناء.
لا وألف لا أيها الشباب! إنكم أكبر من ذلك وأعقل، فقط وقفة صادقة مع النفس، ولحظة محاسبة للنفس ومراجعة، وبعدها ستجد نداء الفطرة، ستجد الخير في نفسك، وعندها ستعلم أن رمضان لا يمكن أن يباع ولو بأغلى الأثمان.