للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التجاوز عن الأخطاء الدنيوية]

التجاوز عن الأخطاء في الحياة الزوجية، وغض البصر عنها، خاصةً إذا كانت هذه الأخطاء في الأمور الدنيوية.

فأقول: لا تنس يا أيها الأخ الحبيب! أنك تتعامل مع بشر: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) ولا تنس أنك تتعامل مع امرأة، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (خلقت من ضلع أعوج) .

لا تكن شديد الملاحظة، لا تكن مرهف الحس فتجزع عند كل ملاحظة أو خطأ، انظر لنفسك دائماً فأنت أيضاً تخطئ، لا تنس أن المرأة كثيرة الأعمال في البيت، ومع الأولاد والطعام والنظافة والملابس وغيرها، ولا شك أن كثرة الأعمال يحدث من خلالها كثير من الأخطاء.

لا تنس أن المرأة شديدة الغيرة، سريعة التأثر، احسب لكل هذه الأمور حسابها، واسمع لهذه الأمثلة التي تدل على الحلم والإنصاف: عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كما تُحدث أم سلمة أنها أي - أم سلمة - أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة الكساء ومعها فهر -أي: حجر ناعم صلب- ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وقال -يعني لأصحابه-: (كلوا، غارت أمكم، غارت أمكم! ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة لـ عائشة) .

والحديث أخرجه البخاري والنسائي واللفظ للنسائي.

فأقول: انظر لحسن خلقه صلى الله عليه وسلم وإنصافه وحلمه، وانظر لحسن تصرفه وحله لهذا الموقف بطريقة مقنعة، معللاً لهذا الخطأ من عائشة رضي الله عنها بقوله: (غارت أمكم، غارت أمكم!) ؛ فهو يقدر نفسية عائشة اعتذاراً منه صلى الله عليه وسلم لها، ولم يحمل عائشة نتيجة هذا الخطأ ونتيجة هذا العمل، ولم يذمها صلى الله عليه وسلم؛ لأن أم سلمة هي التي جاءت إلى بيت عائشة تقدم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا الطعام، ولذلك قدر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف، وتعامل معه بلطف وحكمة صلوات الله وسلامه عليه.

وقدر ما يجري عادةً بين الضرائر من الغيرة؛ لمعرفته صلى الله عليه وسلم أنها مركبة في نفس المرأة، لم يؤدب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وبين أنها غارت مع أنها كسرت الإناء، ومع أنها أيضاً تصرفت أمام أصحابه هذا التصرف، ولكن: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] .

فانظر للحكمة، وانظر لحسن التعامل، وتصور لو أن هذا الموقف حصل معك، كيف سيكون حالك أيها الزوج؟! بل وربما لو حصل هذا الموقف بينك وبين زوجك مثلاً في المطبخ والرجال موجودون في المجلس، كيف ستكون نفسيتك؟ وكيف سيكون التصرف؟! إذاً: فالعفو والصفح إذا قصرت الزوجة، وشكرها والثناء عليها إن أحسنت، كل ذلك من شيم الرجال ومن محاسن الأخلاق.

وبعض الأزواج قد يختلق المشاكل وينفخ فيها، وقد تنتهي هذه المشاكل بحقيقة مرة وهي الطلاق!! واسمع لهذا الموقف: روي أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ليشكو سوء خلق زوجته، فوقف على بابه ينتظر خروجه، فسمع هذا الرجل امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه، وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعاً وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين، فكيف حالي؟! وخرج عمر فرآه مولياً عن بابه، فناداه وقال: ما حاجتك أيها الرجل؟! فقال: يا أمير المؤمنين! جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك؛ فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟! قال عمر: يا أخي إني أحتملها لحقوق لها علي، إنها لطباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي، مرضعة لولدي، وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام؛ فأنا أحتملها لذلك.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! وكذلك زوجتي.

قال عمر: فاحتملها يا أخي! فإنما هي مدة يسيرة.

يقول الله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩] .

هكذا كانت حياتهم الزوجية، ذكر للحسنات، وغض للبصر عن الأخطاء والسيئات.

ويقال: إن بدويةً جلست تحادث زوجها، وتطرق الحديث إلى المستقبل كعادة الأزواج، فقالت: إنها ستجمع صوفاً وتغزله وتبيعه وتشتري به بكراً، فقال زوجها: إذا اشتريته فسأكون أنا الذي أركبه، قالت: لا.

فألح زوجها، فرفضت، وأصر ولم ترجع هي، حتى غضب زوجها فطلقها.

فلا توجد هناك مشكلة، القضية قضية أماني في المستقبل، تقول: لو كان عندي صوف وأغزله ثم أبيعه ثم أشتري بكراً، فتخاصما على من يركبه أولاً؛ فحصل الطلاق.

هذا المثل يوضح حقيقة الحال في كثير من الطلاق الذي يحصل بين الرجل والمرأة لأسباب تافهة، وعندما يقف أهل الخير أو القضاة أو غيرهم على بعض أسباب الطلاق، يجدون أن أسباب الطلاق تافهة لا تذكر، وهكذا كثير من المشكلات وهمية تافهة، تنتهي بنهاية الحياة الزوجية وللأسف! ويروى (أن عائشة قالت مرةً للنبي صلى الله عليه وسلم وقد غضبت عليه: أنت الذي تزعم أنك نبي؟! فتبسم رسول صلى الله عليه وسلم) واحتمل ذلك حلماً وكرماً.

وما أروع هذا التوجيه النبوي الذي يجعل البيت جنةً! فإذا غضب أحد الزوجين وجب على الآخر الحلم، فحال الغضبان كحال السكران لا يدري ما يقول وما يفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>