[معرفة فضل الحج ومكانته في الدين]
الوسيلة الخامسة: وهي من أعظم الوسائل التي تدفعنا لاستغلال موسم الحج: سماع الأحاديث في فضائله، فقف مع هذه الأحاديث واسمعها مرات ومرات، وتدبرها جيداً، وتأمل معانيها جيداً؛ لترى فضل هذه العبادة وعظمتها، ولتزداد حرصاً على استغلال أيامها وساعاتها.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه) والحديث أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة أيضاً قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟، قال: حج مبرور) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
إذاً: فالحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد.
قال النووي رحمه الله: الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم.
وفي حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (وأن الحج يهدم ما كان قبله) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
وأيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: لا.
لكن أفضل الجهاد حج مبرور) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد) والحديث أخرجه ابن ماجة في سننه، وذكره الألباني في صحيح ابن ماجة.
فأقول: الحجاج إذن وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، ونفقتهم مخلوفة عليهم وهي في سبيل الله.
فأسألك بالله يا أيها الأخ الحبيب! ويا أيتها المسلمة! ألا تدفعكم هذه الفضائل لاستغلال موسم الحج في كل عمل تقدرون عليه؟! أَلَا يتحرك الإيمان وأنت تسمع هذه الفضائل لتبذل كل ما في وسعك، وبذل الطاقة والجهد لعمل الخير؟! ألا يحدوك الشوق إلى غفران الذنوب ومحوها؟! أَلَا يحدوك الشوق إلى جنة عرضها السموات والأرض؟! وبمجرد الحرص على استغلال هذا الموسم في أعمال الخير وأعمال البر، فإنك سمعت أن (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والموفق من وفقه الله، فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم
ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي به أملاكه فهو أكرم
يقول: عبادي قد أتوني محبة وإني بهم بر أجود وأكرم
فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم وأعطيتهم ما أملوه وأنعم
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحم
فكم من عتيق فيه كمل عتقه وآخر يستسعي وربك أكرم
وما رئي الشيطان أغيظ في الورى وأحقر منه عندها وهو ألأم
وذاك لأمر قد رآه فغاظه فأقبل يحثو الترب غيظاً ويلطم
لما عاينت عيناه من رحمة أتت ومغفرة من عند ذي العرش تقسم
فيوم عرفة يوم مشهود، وهو من مفاخر الإسلام؛ لأن المسلمين لا يمكن أن يحتشدوا في مكان كهذا المكان لا يعرف بعضهم بعضاً إلا في يوم عرفة، يوم بكاء وخشوع، ويوم دعاء وخضوع، ويوم خوف من الله، ويوم مغفرة للذنوب وتجاوز عنها، وعتق من النار.
ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيده من يوم عرفة، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) .
ولأجل هذه المزايا العظيمة في مثل هذا اليوم أقول: ينبغي للحاج استغلال هذا اليوم والاهتمام به، فيكثر من كل الأعمال الصالحة.