للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محرومون من لذة الأكل الحلال]

ومن الناس من حرم أكل الحلال، ومن ثم حرم إجابة الدعاء، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:٥١] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:١٧٢] ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!) .

كم من الناس حرموا لذة الأكلة الحلال، وحرموا بركة المال، وحرموا صلاح العيال بسبب أكل الحرام من رباً وغش وخداع وسرقة وحلف كاذب، مسكين أنت أيها المحروم! ربما أنك تركع وتسجد وترفع يديك بالدعاء، فأنى يستجاب لك؟! أيها الإخوة! أخشى أن نكون من المحرومين ونحن لا نشعر، فنحن نرفع أيدينا بالدعاء، ونلح على الله فيه، وربما سالت الدمعات على الخدين، انظر لحال المصلين ودعاء القنوت في رمضان، فربما لا نرى أثراً لدعائنا وبكائنا {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] اسمع لقول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠] لنراقب أموالنا، ولنحرص على أكلنا وشربنا ولبسنا، وربما دخلنا من إهمالنا في أعمالنا ووظائفنا.

فيا أيها المحروم! إن لأكل الحلال أثراً عجيباً على القلب وراحته وسعادته، وإن لأكل الحلال أثراً كبيراً على صلاح الأولاد وبرهم بآبائهم، بل إن لأكل الحلال أثراً كبيراً على سعة الرزق ونماء المال، فكم من المحرومين بسبب المعاصي والذنوب؟! ففي المسند من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) والحديث أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه.

فكم من المحرومين بسبب المعاصي والذنوب! وانتبه أيها المحب! فليس كثرة المال عند بعض الناس دليلاً على بركته، بل قد يكون شقاء على صاحبه، وكم سمعنا عمن ملك المال والقصور يعيش في تعاسة وهموم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا قول الله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:٤٤] ) والحديث أخرجه أحمد والطبري وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، وقال الألباني في المشكاة: إسناده جيد.

واسمع لـ ابن القيم رحمه الله وهو يقول عن أثر الذنوب والمعاصي: ومن عقوباتها -أي المعاصي والذنوب- أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:٩٦] وقال تعالى: {وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن:١٦-١٧] وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) انتهى كلامه رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>