قال ابن الجوزي كلاماً نفيساً في صيد الخاطر:(فصل: محك الحوادث) : سبحان المتصرف في خلقه بالاغتراب والإذلال ليبلو صبرهم، ويظهر جواهرهم في الابتلاء، هذا آدم صلى الله عليه وسلم تسجد له الملائكة ثم بعد قليل يخرج من الجنة، وهذا نوح عليه السلام يضرب حتى يغشى عليه، ثم بعد قليل ينجو في السفينة ويهلك أعداؤه، وهذا الخليل عليه السلام يلقى في النار ثم بعد قليل يخرج إلى السلامة، وهذا الذبيح يضطجع مستسلماً ثم يسلم ويبقى المدح، وهذا يعقوب عليه السلام يذهب بصره بالفراق ثم يعود بالوصول، وهذا الكليم عليه السلام يشتغل بالرعي ثم يرقى إلى التكليم، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقال له بالأمس اليتيم، ويقلب في عجائب يلاقيها من الأعداء تارة، ومن مكائد الفقر أخرى، وهو أثبت من جبل حراء، ثم لما تم مراده من الفتح، وبلغ الغرض من أكبر الملوك وأهل الأرض نزل به ضيف النقلة فقال: وا كرباه! فمن تلمح بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقى الأمواج، وكيف يصبر على مدافعة الأيام، لم يستهول نزول بلاء، ولم يفرح بعاجل رخاء.
انتهى كلامه رحمه الله.
والله عز وجل يقول:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد:٣١] .