ذكر النووي في كتابه بستان العارفين قال: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه العلم فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب.
انتهى كلامه.
قلت: أما الخلوة فللاطلاع والنظر في الأصول، وتقييد الفوائد والشوارد.
وأما قلة الأكل فنشكو إلى الله حالنا، فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام.
وفي المسند عند أحمد والترمذي وغيرهما:(ما ملأ ابن آدم وعاءٌ شراً من بطنه) الحديث.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}[الأعراف:٣١] قال بعض العلماء: جمع الله بهذه الكلمات الطب كله.
وأما ترك مخالطة السفهاء؛ فلأنهم لصوص الأوقات وأهل الفراغ.
قال ابن الجوزي:(فصل: أهل الفراغ بلاء) : قال: أعوذ بالله من صحبة البطالين، لقد رأيت خلقاً كثيراً يجرون معي فيما اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويُسمون ذلك التردد خدمةً، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني وما يتخلله غيبة، وهذا يفعله في زماننا كثير من الناس إلى أن قال: فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهاؤه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت منهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان -تنبه إلى العلاج- فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالاً تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغاً، فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد وبري الأقلام وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم؛ لئلا يضيع شيء من وقتي، نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامه إلى آخر كلامه النفيس الجميل هناك.
وأما بغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب، فإني لأعجب كيف كانوا من أهل العلم وليس معهم إنصاف ولا أدب؟! وأي علم هذا الذي لم يؤدب صاحبه؟! إنما العلم العمل إنما العلم خشية الله.
قال أحمد بن حفص السعدي شيخ ابن عدي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً.
وجاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال له: نكتب عن محمد بن منصور الطوسي، قال: إذا لم تكتب عن محمد بن منصور فعمن يكون ذلك؟ فعمن يكون ذلك؟! -كررها مراراً رحمه الله- فقال له الرجل: إنه يتكلم فيك! قال أحمد: رجل صالح ابتلي فينا فما نعمل؟! هكذا العلم؛ إنصاف وأدب حتى مع من يخالفنا.