خامس عشر: ومن آثار التوحيد جود نفوس الموحدين بالمال، والنفس في سبيل الله ونصرة دينه، فأمة التوحيد أمة قوية، تبذل كل غالٍ ونفيس من أجل عقيدتها، وتثبيت دعائمه، غير مبالية بما يصيبها في سبيل ذلك، يقول الحق عز وجل:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}[الحجرات:١٥] لم يدخلهم شك ولا ريب، ولا خوف ولا يأس ولا قنوط في حقيقة توحيدهم وعقيدتهم، بل في حقيقة نصرة الله لهم:{ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:١٥] الصادقون في قول لا إله إلا الله، أهل التوحيد أمة واحدة، يأمرهم ربهم بقوله:{انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:٤١] .
فأسألكم بالله! أيها الموحد! أيتها الموحدة! هل جعلت نفسك ومالك وولدك وكل ما تملك في خدمة هذه العقيدة في سبيل لا إله إلا الله؟ ماذا قدمت لدينك وعقيدتك؟ ماذا قدمت لهذا المبدأ العظيم؟ نعجب ونتحسر يوم أن يضحي الكافر من أجل دينه وعقيدته، وهو على باطل، ويوم أن يسخر ويهمل ذلك المسلم من أجل عقيدته وتوحيده وهو على حق.
إنما المؤمنون هم أولئك الصادقون في توحيدهم، وفي قولهم لا إله إلا الله، لا يستطيع ذلك إلا من ذاق طعم الإيمان وحقق التوحيد صادقاً من قلبه.
مثالٌ واحد أسوقه لكم والأمثلة كثيرة: أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، انظروا لحياة هذا الرجل؛ أسرة كاملة.
أولاده عبد الله ومحمد، وبناته عائشة وأسماء وماله وجهده ووقته كلها في سبيل الله، ونصرة دين الله؛ فلما نصروا دين الله بأموالهم وأنفسهم وأولادهم نصرهم الله، ومكنهم وأعلى شأنهم، وصدق الله:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}[محمد:٧] .
أما الخذلان أيها الأحبة! الخذلان والبخل والكسل والفتور، فهي من صفات المنافقين، فلما عدم تحقيق التوحيد في قلوبهم، تركوا الجهاد، وفرحوا بالتخلف عنه، ورضوا بشهوات الدنيا، وبخلوا بأموالهم وتقلبت مواقفهم وردود أفعالهم تبعاً لأهوائهم، فذمهم القرآن بسبب ذلك.