للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم]

مكارم الأخلاق بأن تشعر الجميع أنك تحبهم، بل كل واحد يشعر أنه أحب الناس إلى قلبك، فهل تستطيع هذا؟! إنك تملك القلوب بأيسر الطرق وأفضلها، هكذا كانت أخلاق قدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.

فعن عمرو بن العاص قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه عليّ، حتى ظننت أني خير القوم، فقلت: يا رسول الله! أنا خير أو أبو بكر؟ فقال: أبو بكر، فقلت: يا رسول الله! أنا خير أم عمر؟ فقال: عمر، فقلت: يا رسول الله! أنا خير أم عثمان؟ فقال: عثمان، فقال عمرو بن العاص: فلما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقني، فلوددت أني لم أكن سألته) كما في الشمائل للترمذي.

إذاً: فـ عمرو بن العاص، ظن أنه أحب وأقرب الناس لقلب رسول صلى الله عليه وسلم.

أخي الحبيب! لعلك تسأل كيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم كسب القلوب إلى هذا الحد، بل كسب حتى قلوب أعدائه.

إليك شيئاً من شمائله وأخلاقه بإيجاز، رزقني الله وإياك حسن الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم.

كان أشد الناس حياءً، لا يثبت بصره في وجه أحد، ولا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذرين إليه، يمزح ولا يقول إلا حقاً، يضحك من غير قهقهة، ترفع الأصوات عليه فيصبر، لا يحتقر مسكيناً لفقره، ما ضرب بيده أحداً قط إلا في سبيل الله، وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله، ما كان يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، يبدأ من لقيه بالسلام، وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة، ثم أخذ بيده فشابكه ثم شد قبضته عليها، كان يجلس حيث انتهى به المجلس، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ليجلس عليه، كان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل، وكان يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه وسمعه وبصره وحديثه، وكان يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم واستمالةً لقلوبهم، وكان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاً، كان أرأف الناس بالناس، وخير الناس للناس.

فعن أنس رضي الله عنه أن امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: (إن لي إليك حاجة، فقال: اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك) متفق عليه.

وبكلمة جامعة مانعة كان خلقه القرآن، ولذلك أثنى الله عليه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] .

إذاً: فمن أراد أن يرى هدي هذا الدين واقعاً يعاش فلينظر في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وليدرسها دراسة فهم وتدبر -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- يكفي أن كل أحد يقول يوم القيامة: نفسي نفسي، وهو يقول: (أمتي أمتي) .

يا من يذكرني بعهد أحبتي طاب الحديث بذكرهم ويطيب

أعد الحديث عليّ من جنباته إن الحديث عن الحبيب حبيب

ملأ الضلوع وفاض عن أجنابها قلب إذا ذكر الحبيب يذوب

ما زال يخفق ضاربا بجناحه يا ليت شعري هل تطير قلوب

<<  <  ج: ص:  >  >>