للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصورة التاسعة: هضم النفس وحقوقها]

ذكر الذهبي في السير قال: عن أبي يعقوب المدني أنه قال: كان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين -يعني زين العابدين - بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن الحسين زين العابدين وهو جالس مع أصحابه في المسجد، فما ترك حسن شيئاً إلا قاله له -يعني ما ترك سباً ولا شتماً إلا قاله لـ زين العابدين وهو جالس مع أصحابه-، قال -أي أبي يعقوب المدني -: وعلي ساكت، فانصرف حسن فلما كان من الليل أتاه في منزله - زين العابدين ذهب إلى حسن بن حسن - فقرع عليه بابه فقال له: يا أخي! إن كنت صادقاً فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم! هذا الموقف! وهل انتهى؟! لا.

فانظر لنتيجة الصبر وحسن الخلق! وكيف يكون الإنسان داعية وقدوة لغيره دون أن يشعر: قال: فإذا بـ الحسن يتبعه ويلزمه من الخلف ويبكي بكاءً شديداً، حتى رثى زين العابدين لحاله، فقال الحسن لـ زين العابدين: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه، فقال زين العابدين: وأنت في حل مما قلت لي.

ا.

هـ.

وإذا تشاجر في فؤادك مرة أمران فاعمد للأعف الأجمل

وإذا هممت بأمر سوء فاتئد وإذا هممت بأمر خير فافعل!

أيها الأحبة: إنه الصبر على أذى الخلق، وهضم النفس حتى ولو كان الحق معها، وهذه صفة الرجال، وهكذا من أراد العلياء وعزة النفس!

طلقت تطليق الثلاث رغائبي وكتبت للعلياء عقد نكاح

وانظر أيضاً لإنصاف الذهبي رحمه الله تعالى لـ ابن حزم عندما ترجم له في السير، قال الذهبي عن ابن حزم: قد أخذ المنطق -أبعده الله من علم- عن محمد بن الحسن المذحجي وأمعن فيه، فزلزله في أشياء، ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال، والعلل، والمسائل البشعة، في الأصول والفروع، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة، ولكن لا أكفره ولا أضلله وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه.

اهـ.

هكذا يكون المؤمن الذي يأتمر بأمر الله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:١٥٢] فهل سمع شبابنا مثل هذا الموقف؟! وهل اقتدى شبابنا غفر الله لنا ولهم بسلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم؟! لا تبخسوا جهود بعضكم بعضاً، ولا تحقروا أعمال بعضكم لبعض، فكل منكم على ثغر، وعلى خير، والميدان يتسع للجميع، بل هو بأمس الحاجة لكل عمل وكلمة طيبة وجهد وافق الكتاب والسنة، مهما كان صاحبه، فهلا سمعنا وعقلنا؟! وانظر لهذا الموقف أيضاً وتدبره جيداً، فكم نحن بحاجة إليه! قال الذهبي: قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: هذا كتبته من حفظي وغاب عن أصلي: أن عبد الله بن عبد العزيز العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر.

اهـ.

فيا شباب الأمة! نحن بحاجة للجميع، فهذا يحفظ القرآن ويعلمه، وهذا يطلب العلم وينشره، وهذا يعظ الناس في المساجد والقرى، وهذا ينكر المنكرات في الأسواق وفي الأماكن العامة، وهذا على منبره وذاك بقلمه والآخر بماله، وهذا بتوزيع الشريط والكتاب، وذلك بتوزيع الطعام واللباس، وهذا بالرحلات والمخيمات، وهذا بالدعوات الصادقات، ولا يخلو الجميع أبداً من خطأ، (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) ، فهذا يصحح لهذا وهذا يوجه هذا، وهذا يعين هذا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، مع التماس الأعذار والعفو والصفح.

هكذا يجب أن نكون ويجب أن نتعامل، بل يجب أن ننشر في مجالسنا ومنتدياتنا هذه المفاهيم لدى الكبار والصغار، والرجال والنساء، ليشرق أعداء الإسلام بتراص الصفوف، وبجمع القلوب، وبتوحيد الكلمة.

فإن قال قائل: لا! فنقول: على أقل تقدير إن لم تكن من هؤلاء فقل خيراً أو اصمت، واعلم يا أخي الحبيب! أن (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ، فكف عن المسلمين لسانك ويدك واتركهم يعملون كل بما يستطيع، فالله جل وعلا مطلع على عباده وهو وحده يعلم ما تكن القلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>