[أحوال المسلمين مع عماد الدين]
الحمد لله الذي جعل الصلاة كتاباً موقوتا على المؤمنين، وأمر بإقامتها والمحافظة عليها وأدائها مع جماعة المسلمين، أحمده على نعمه، وأشكره على جزيل منه وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، توعد من تخلف عن صلاة الجماعة بأشد الوعيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله واعلموا أن مقام الصلاة عظيم، وقد نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وهي عمود الإسلام، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة.
أيها المسلمون! إن الشيطان يحرص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة؛ لعلمه أنه إذا انصرف عنها انصرف عن بقية أحكام الدين من باب أولى، فإنه لا دين لمن لا صلاة له، ولا حظ له في الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة) .
وإن الشيطان يأتي لصرف المسلم عن هذه الصلاة من طرق كثيرة، فإن تمكن من منعه منها بالكلية، فإنه يبذل لذلك كل ممكن، وإن لم يتمكن من منعه منها احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة، ثم بمنعه من أدائها في وقتها، فإن لم يستطع عن منعه عن الجماعة أغراه بالتكاسل والتأخر عن الحضور إلى المسجد حتى يفوته بعضها ويحرمه فضيلة السبق إلى المسجد، وحضور الصلاة من أولها.
وهذا هو الواقع اليوم من كثير من المسلمين، فمنهم أعداد كثيرة من جيران المساجد لا يدخلون المساجد للصلاة فيها، أو يدخلونها لبعض الصلوات ويتركون بعضها، وأعداد كثيرة تحضر إلى المساجد متأخرة لا تدرك إلا بعض الصلاة مع الإمام، أو لا تدرك منها شيئاً.
فما عذرك يا من تسمع النداء! وقد يكون المسجد إلى جانب بيتك وأنت صحيح البدن آمن من الخوف ثم لا تحضر لصلاة الجماعة؟! هل أنت ممن لم يسمع الآيات والأحاديث؟ أو سمعتها وقلت: سمعنا وعصينا؟! أيها الإخوة! إن حالتنا اليوم مع الصلاة حالة سيئة؛ خف ميزانها لدينا، وتساهلنا في شأنها، وصار التخلف عنها أمراً هيناً، بل أمراً عادياً، فالأسرة الكبيرة في البيت لا يحضر منها إلا الأفراد، وبعض البيوت لا يحضر منها أحد، والذين يحضرون لا ينكرون على المتخلفين، وقد يكونوا من أولادهم الذين كلفوا بأمرهم بها وضربهم عليها.
فأنت ترى البيوت والأسواق مكتظة بالناس، ولا يرتاد المساجد منهم إلا الأفراد، والغالبية رضوا بأن يكونوا مع الخوالف رضوا بالعقوبة رضوا بوصف النفاق؛ فإن من أبرز صفات المنافقين التي وصفهم الله بها في كتابه العظيم: التكاسل عن صلاة الجماعة، حيث قال الله تعالى في وصفهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:١٤٢] وقال سبحانه: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة:٥٤] وقال ابن مسعود رضي الله عنه: [ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي صلاة الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق] .
فهل ترضى أخي الحبيب! أن تكون في زمرة المنافقين الذين هم أشد الناس عذاباً يوم القيامة؟! {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:١٤٥-١٤٦] .
إن التخلف عن صلاة الجماعة دليل على ضعف الإيمان، وخواء القلب من تعظيم الله وتوقيره واحترامه، وإلا فكيف يليق بمسلم صحيح آمن يسمع منادي الله كل يوم خمس مرات وهو يناديه: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) ثم لا يجيبه، ويسمع منادي الله وهو يقول: (الله أكبر) ثم يكون اللعب عنده أكبر، ومشاهدة الأفلام والمباريات أكبر، والبيع والشراء أكبر، ومشاغل الدنيا الفانية أكبر، ويسمعه وهو يقول: (الصلاة خير من النوم) ثم يكون النوم عنده خير من الصلاة.
يقول أحد مغسلي الموتى: جيء بميت يحمله أبوه وإخوانه، ودخلنا لغسله فبدأنا بتجريده من ملابسه، ها هو جثة نقلبها بأيدينا! لقد آتاه الله قوة في جسمه، وفتوة في عضلاته، وبياضاً ناصعاً في بشرته، وبينما نحن نقلب الجثة، وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمة سوداء، فتجمدت يداي وشخصت عيناي خوفاً وفزعاً، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف، فسألت أباه: ما شأن هذا الشاب؟ فقال: إنه كان لا يصلي، يقول المغسل: فقلت لهم: خذوا ميتكم فغسلوه.
فرفض المغسل أن يغسله، ورفض إمام المسجد أن يصلي عليه إنا لله وإنا إليه راجعون! لا إله إلا الله! لا يغسل ولا يصلي عليه المسلمون، ولا يدفن في مقابر المسلمين، هذا حكم الله فيه.