[الكلمة السادسة عشرة: التواضع ثمرة العلم النافع]
قال وكيع: لا يكون الرجل عالماً حتى يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه.
تواضع وخذ العلم النافع من الجميع ولا تتكبر، فرب مسألة يفتح الله بها على طويلب علم لم يفتح بها على عالم من العلماء الأفذاذ، فما تحلى طالب العلم بحلية أجمل ولا أحسن من التواضع.
قال الفضيل بن عياض: [ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير] .
وقال أبو نعيم: والله ما هلك مَن هلك إلا بحب الرئاسة.
فينبغي لطالب العلم ألا يستنكف أن يستفيد ما لا يعلمه ممن هو دونه منصباً أو نسباً أو سناً، بل يكون حريصاً على الفائدة حيث كانت، والحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها.
قال سعيد بن جبير: [لا يزال الرجل عالماً ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده، فهو أجهل ما يكون] .
وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم: قال الحميدي وهو تلميذ للشافعي: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه المسائل وكان يستفيد مني الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نأخذ به.
وقد روى جماعة من الصحابة عن التابعين.
وأبلغ من ذلك كله قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُبي رضي الله تعالى عنه وقال له: (أمرني الله أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة:١] ) كما عند مسلم في صحيحه.
قالوا: ومن فوائده: ألا يمتنع الفاضل من الأخذ عن المفضول.
إن التواضع من خصال المتقي وبه التقي إلى المعالي يرتقي
ومن العجائب عجب من هو جاهل في حاله أهو السعيد أم الشقي
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: [تغفلون عن أفضل العبادة، تغفلون عن أفضل العبادة؛ التواضع] .
وكان ابن المبارك يكتب عمن هو دونه، فقيل له -أي: كأنه أُنكر عليه- فقال رحمه الله: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع إلي.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سألت الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: [أن تخضع للحق وتنقاد له ممن سمعته، ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه] .