إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه ليلة الثلاثاء الموافق للسادس عشر من شهر شوال للعام (١٤١٦هـ) وفي هذا الجامع المبارك في مدينة الرس، ومع هذا الموضوع والذي هو بعنوان:(رمضان والرحيل المر) .
وها هو نصف شهر -أيها الأحبة- يمضي بعد رحيلك أيها الحبيب رمضان، ويا لها من أيام مرة المذاق! ليسأل كل إنسان منا نفسه: كيف حالكِ أيتها النفس بعد رمضان؟! أيها الإخوة والأخوات! لقد تعمدت تأخير هذا الموضوع إلى هذه الأيام؛ لنقارن بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان، رغم أنه لم يمض عليه سوى أيام.
إيه أيتها النفس! كنت قبل أيام في صلاة وقيام، وتلاوة وصيام، وذكر ودعاء، وصدقة وإحسان، وصلة للأرحام، قبل أيام كنا نشعر برقة القلوب واتصالها بعلام الغيوب، كانت تتلى علينا آيات القرآن؛ فتخشع القلوب وتدمع العيون، فنزداد إيماناً وخشوعاً وإخباتاً لله سبحانه وتعالى، ذقنا حلاوة الإيمان، وعرفنا حقيقة الصيام، ذقنا لذة الدمعة، وحلاوة المناجاة في السحر كنا نصلي صلاة من جعلت قرة عينه في الصلاة، وكنا نصوم صيام من ذاق حلاوته وعرف طعمه، وكنا ننفق نفقة من لا يخشى الفقر، كنا وكنا مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك العظيم الذي رحل عنا.
وهكذا نتقلب في أعمال الخير وأبوابه، حتى قال قائلنا: يا ليتني مت على هذه الحال؛ لما يشعر به من حلاوة الإيمان ولذة الطاعة.
فتذكرت حينها قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما بكى في مرض موته، فسئل: ما الذي يبكيك؟ فقال رضي الله عنه:[إنما أبكي؛ لأنه أصابني في حال فترة -أي الموت- ولم يصبني في حال اجتهاد] كما في مجمع الزوائد للهيثمي.