[تواضع النفس وخوفها وانكسارها لخالقها]
ثالثاً من آثار التوحيد: تواضع النفس الموحدة وخوفها وانكسارها لخالقها بل وافتقارها إليه سبحانه وتعالى، لماذا؟ لشعورها أنها بحاجة إليه في كل لحظة، فهو مالكها، ومدبرها.
مما يزيد العبد افتقاراً والتجاء إليه عز وجل، ويزيده ترفعاً عن المخلوقين ومما في أيديهم، فالمخلوق ضعيف فقير عاجز أمام قدرة الحق عز وجل، الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، هنا يشعر الموحد بأنه يأوي إلى ركنٍ شديد، وأنه في سعادةٍ عظيمة، كيف لا وهو يشعر بذله وانكساره وافتقاره، وعبوديته لملك الملوك! والكثير من أهل التوحيد غفل اليوم عن هذا الأثر، (الافتقار والانكسار) .
أيها الإخوة! أيها المسلمون! بل أيها المسلمون المستقيمون! إننا ضعفاء ومساكين لا حول لنا ولا قوة لأنفسنا إلا بربنا جل وعلا، إلا بالواحد الأحد، فمن منا جعل له ساعةً يخلو بها مع ربه؟ من منا جعل له ساعةً يخلو بها مع ربه ويعترف له بضعفه، وذله وفقره، فيرفع يديه، ويناجي ربه بتواضع؟! فالنفس منكسرة لله، القلب يخفق، والعين تدمع، واللسان يلهج فيقول:
أنت الذي صورتني وخلقتني وهديتني لشرائع الإيمان
أنت الذي علمتني ورحمتني وجعلت صدري واعي القرآن
أنت الذي أطعمتني وسقيتني من غير كسب يد ولا دكان
وجبرتني وسترتني ونصرتني وغمرتني بالفضل والإحسان
أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب مودة والعطف منك برحمة وحنان
ونشرت لي في العالمين محاسناً وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البرية شائعاً حتى جعلت جميعهم إخواني
والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام عليّ من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ولبؤت بعد كرامة بهوان
لكن سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني
فلك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوارحي ولساني
ولقد مننت عليّ ربي بأنعم مالي بشكر أقلهن يدان
أيها الإخوة والأخوات! هذه الثمرة من أعظم ثمرات التوحيد على النفوس، حُرِمها الكثير منا، فراحة النفس وسعادة القلب -والله الذي لا إله غيره- هي في الذل والانكسار للخالق سبحانه وتعالى، والافتقار إليه والانكسار بين يديه، فلنلجأ إلى الله عز وجل، ولنعلن ضعف أنفسنا لله وحده، هنا سيشعر الموحد بالقوة العجيبة، وبالصبر والثبات؛ لأنه يعلم أنه يأوي إلى الذي بيده ملكوت السماوات والأرض الذي يدفعه، ويحوطه ويحفظه كما سيأتي من آثار التوحيد إن شاء الله.