للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التشنج والغضب في المجالس عند المناظرة]

صورة أخرى: تناظر اثنان في مجلس -أي: تجادلا وتناقشا- فارتفعت أصواتهما، وانتفخت أوداجهما، وتقاذفا بالسب والشتام.

قلت: إن التشنج والانفعال ليس هو الأسلوب الأمثل لنصرة الحق أبداً.

ضع هذه القاعدة في رأسك يا أيها الحبيب! إن التشنج والانفعال ليس هو الأسلوب الأمثل لنصرة الحق أبداً.

ولكن كم من هادئ عف اللسان حليم كاظم للغيظ، أقدر على نصرة الحق من غيره.

وقد قال أبو عثمان؛ ابن الإمام الشافعي رحمة الله عليهما: (ما سمعت أبي يناظر أحداً قط فرفع صوته) .

ولهذا كان الإمام الشافعي رحمة الله تعالى عليه يقول:

إذا ما كنت ذا فضل وعلم بما اختلف الأوائل والأواخر

فناظر من تناظر في سكون حليماً لا تلح ولا تكابر

يفيدك ما استفاد بلا امتنان من النكت اللطيفة والنوادر

وإياك اللجوج ومن يرائي بأني قد غلبت ومن يفاخر

فإن الشر في جنبات هذا يمني بالتقاطع والتدابر

فبعض الإخوة -غفر الله للجميع- يظن أنه من تمام غيرته على المنهج وعظيم نصرته للحق، لا بد أن يقطب جبينه ويحمر عينيه، ويرفع صوته، وتتسارع أنفاسه، وهذا لا يصح أبداً.

إن اختلاف الآراء ووجهات النظر لا يدعو إلى الأحقاد والأضغان، فإن المرجو هو البحث عن الحق وطلبه وليس التشفي والانتقام، فينطلق اللسان بالسباب والشتائم ومقاطعة الكلام، فما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال، إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله.

واسمع للأدب الجم، والخلق الرفيع عند الحوار والمناقشة: قال عطاء بن أبي رباح: [إن الشاب ليتحدث بالحديث، فأسمع له كأني لم أسمعه ولقد سمعته قبل أن يولد] سمعت هذا الكلام الذي يقوله قبل أن يولد هذا الشخص الذي يتحدث ومع ذلك أسكت كأني لم أسمع الكلام إلا الساعة.

هكذا يكون الأدب عند الحوار وعند المناظرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>