للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ظهور البدع ومعارضة أهل الأهواء لشرع الله]

اعلموا أيها الإخوة! أنه ما ظهرت بدعة وفشت، إلا وأماتت معها سنةً من السنن، لأن الأصل في البدعة أنها لم تظهر إلا بعد ترك سنة، فكانت البدعة كالعلامة الدالة على ترك طريق السنة، فتمسكوا بالسنة واتبعوا ولا تبتدعوا، فإن من المعلوم أن من أهم عوامل النجاح للإنسان: التخطيط والتنظيم، فلا بد أن يكون له خط مرسوم ومنهج معلوم، وإلا فالتخبط والفوضوية والفشل.

ولذا فنحن نسمع عن الخطط المستقبلية للأحزاب السياسية والمؤسسات الاقتصادية، وفي كل النواحي الحياتية، لماذا نقبل الخطط المرسومة في كل شيء وينادى بها؟ وإذا أردنا أن نسير على منهج معلوم في ديننا، وهو الذي رسمه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أرجف المرجفون وتنادى المبطلون: رجعيون، متخلفون، ظلاميون، فالمتمسكون بالكتاب والسنة أصحاب ظواهر ليس لهم عقول، وصاحب الآراء والأفكار المتهافتة هو المستنير المقبول.

سبحان الله! أي قول هذا؟ صدق الله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٣] .

رويدكم يا هؤلاء! أتريدون أن نقبل إبداعكم المزعوم ومنهجكم المرسوم بعقولكم القاصرة، والتي مهما بلغت فهي عرضة للخطأ والنقص والضعف والهوى؛ ونترك المنهج الرباني الذي أنزله الله من فوق سبع سماوات؟ أتريدون أن نتبع خطاكم ونهجر خطا الحبيب المعصوم صلى الله عليه وسلم؟ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ} [يونس:٣٢] .

أي الطريقين أهدى وأقوم أيها الإخوة؟! هيهات! أين السهى من شمس الضحى؟ وأين الثرى من كوكب الجوزاء؟ فالله تعالى يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١] ، وأولئك يقولون: اتبعونا واسمعونا، والله تعالى يقول: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠] وهم يقولون: أطيعونا! والله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] وهؤلاء يقولون: إلى العقول! وإلا فما معنى هذا الركام من الزكام، في كثرة المناقشات والمجادلات المتكررة بالأقلام والكلام وعبر وسائل الإعلام، تخبط وتأويل وصرف لمعاني النصوص عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، ولسان حالهم يقول: كل آية أو حديث تخالف أهواءنا وعقولنا فهو مؤول أو منسوخ.

فآه على الدين! يوم ندع من يتكلم في دين الله تعالى، ويتخبط في الأحكام؟ آه على الدين! من ينصر سنة سيد المرسلين؟ من يحمل لواء الدفاع عن سنة المصطفى الأمين؟! من يذب عن حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم؟ إنها أمية الدين والجهل بمقاصد الشريعة.

نعم.

هذا الباب ضيعه الكثير من الناس، الشريعة جاءت لمقاصد، النصوص جاءت لمقاصد، لا بد أن ندور مع هذه المقاصد، {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [البقرة:٧٨] .

ولسنا ندعي أن الدين حكر على أحد، ولا وقف لفئة دون فئة، ولكن كما قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:٣٦] ، فإن بعض الناس ما أن يبلغ شأناً في تخصصه، إلا ويظن أنه يصح له أن يلج في كل شيء، بل إن علوم الشريعة عنده أقصر جدار وأوسع باب، فأسهل شيء على بعضهم أن ينقد نصاً صحيحاً أو يرده إذا خالف عقله، فيتلاعب بالنص وينتهك حرمته ويسيء الظن به.

يا عجباً! هكذا تنتقد الأحاديث النبوية ويتجرأ على مواجهتها بالعقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>