وأقف مع حجة واحدة، وهي من أهم الحجج التي يحتج بها لاعبو البلوت.
تاسعاً: قولهم: نقضي على الفراغ؛ أوجه سؤالاً فأقول: أسألكم بالله، وهل يوجد في وقت المسلم الجاد فراغ؟! وعلى فرض موافقة هؤلاء على وجود الفراغ، فأسأل وأقول: كم وقت الفراغ لدى هؤلاء؟! أقصد من يحتج بلعب البلوت بالقضاء على الفراغ، كم الوقت الذي يعتبرونه فراغاً بالنسبة لهم؟ ساعة أو ساعتان أو ثلاث، أم أن حياته كلها فراغ؟! ثم أيضاً سؤال آخر: وهل وقت الفراغ يقضى بمثل هذه اللعبة؟! فأصبح يقضى على مشكلة الفراغ بمشكلة أخرى، وهي قتل الزمن وإضاعة العمر بلا فائدة، إلا إن قال قائلهم: إن في البلوت فائدة، وستأتي الإجابة على هذا.
ثم نقول أيضاً لهؤلاء الذين يشتكون من الفراغ، أجب على هذه الأسئلة بصدق وصارح نفسك ولا تخادعها: أولاً: كم تقرأ القرآن في اليوم؟ بل أسألك قبل ذلك هل تجيد قراءة القرآن أصلاً أو تحفظ شيئاً منه؟! ثم أيضاً أسألك فأقول: أسألك بالله هل قمت بصلة الرحم، وزيارة أقربائك؛ لأن ذلك واجب عليك؟! ثم أقول لك أيضاً: هل جلست مع والديك ومع إخوانك؟ بل هل جلست مع زوجك وأولادك للتحدث معهم ومعرفة أحوالهم وحوائجهم؟! كم درساً أو محاضرة تحضر خلال الأسبوع، أو خلال الشهر؟! كم شريطاً مفيداً تسمعه في الأسبوع؟! كم كتاباً تقرؤه خلال الأسبوع أو الشهر؟! هل فكرت في قضاء هذا الفراغ الذي تدعيه بما يعود عليك بالفائدة من التحاق بالدورات العلمية، أو حتى بدورات الكمبيوتر أو اللغة الإنجليزية أو غير ذلك؟! هل قمت بزيارة المرضى بالمستشفيات؟ هل فكرت بزيارة المقابر للاتعاظ والاعتبار؟! بل هل أعطيت عملك الوظيفي حقه من الأمانة والصدق؟! كل هذه الأسئلة وكثيرة هي تلك الأسئلة، فأقول بعد ذلك: أين الفراغ -أيها الحبيب- الذي تشكو منه، والذي تدعي أنك تقضيه بهذه اللعبة؟! إذا فكرت بعقل وفكر ناضج ستجد أن الواجبات أكثر من الأوقات.
ثم أقول أيضاً بعد كل هذه الأسئلة: لا تنس يا أخي الحبيب! أنك خلقت لهدف، وأن الله عز وجل خلقك للدعوة إلى الله عز وجل، وخلقك لعبادته، فإني أراك قد ضيعت الهدف الذي من أجله خلقت، أصبحت بدون مبدأ وبدون همّ، إن كثيراً من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينتظر منك أن تقوم بإعانته، وبتوجيهه، وبإرشاده، فلماذا إذاً نخسرك؟! لماذا نخسرك وتخسر أنت نفسك؟ اعلم أيها الحبيب! أن الثروة الحقيقية هي الوقت، وأن الوقت هو العمر، وأنه أثمن ما تملك، وأنك ستحاسب على كل دقيقة تمر من عمرك، وستسأل عنها، ألم تسمع لقول الحق عز وجل:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:١١٥] ؟! ستسأل عن عمرك فيما أفنيته، وعن شبابك فيما أبليته، فماذا ستقول؟ في حلقات وحلبات البلوت.
ألا تعلم أن أهل الجنة -وهم أهل الجنة- يتحسرون على ذهاب ساعة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لن يتحسر أهل الجنة على شيء، إلا على ساعة مرت عليهم في غير ذكر الله عز وجل) فكم من الساعات تقضى لأولئك اللاعبين في غير ذكر الله؟! بل أقول: في معصية الله! وفي سب وشتام عياذاً بالله.
إذاًَ: إذا أردنا الحق والتجرد من الهوى فالمسألة ليست مسألة فراغ، بل هي والله فتنة وشهوة، وهي والله ابتلاء ومحنة، فالساعات والليالي التي تضيع وتمضي من أجل البلوت خيالية لا تصدق، وخذ أمثلة على ذلك: