[الأدعية النبوية لقضاء الدين]
ومن المصائب والآلام التي يحتاج الناس فيها إلى الشكوى إلى الله: تراكم الديون وكثرة المعسرين.
كم من مدين عجز عن الوفاء، وكم من معسر يعيش في شقاء، همٌ في الليل وذلٌ في النهار، أحزان وآلام، لا يغمض في منام، ولا يهنأ في طعام، طريد للغرماء أو مع السجناء، صبية صغار وبيت للإيجار، وزوجة مسكينة لا تدري أتطرق أبواب المحسنين، أو تسلك طريق الفاسقين.
هذه رسالة مؤلمة من زوجة إلى زوجها في السجن بسبب الديون، تقول فيها الزوجة: (لم أتمتع معك في حياتنا الزوجية إلا فترة من الزمن، حتى غيبوك في غياهب السجون، كم سنة غبت عني، لا أدري ما فعل الله بك، ولا أدري عنك، أحي فترجى أم ميت فتنعى، ليتك ترى حالي وحال أولادك، ليتك ترى حال صغارك، لست أدري هل أخون أمانة الله وأمانتك، وأطلب الرزق لهؤلاء بطرق محرمة، وأنا في ذمتك وعهدك، أم أطلب الطلاق ويضيع أولادك) إلى آخر الرسالة التي ذكرها صاحب كتاب: نداء إلى الدائنين والمدينين.
وأقول -أيها الحبيب! -: تصوّر حال هذا الزوج كيف يكون وهو يقرأ هذه الكلمات، ديون وسجون وهموم وأولاد، ذل وخضوع للناس.
واسمع إلى هذا الرجل وهو يشكو حاله فيقول: أنا رجل سجين بسبب مبلغ من المال، وقد صار لي في السجن أكثر من سنة ونصف، ولا يقبل خصمي كفيلا، وأنا معسر وصاحب عائلة، فهل يجوز سجني؟ إلى هؤلاء وأمثالهم أقول: لماذا طرقتم الأبواب كلها ونسيتم باب: (من يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين) كما في سنن أبي داود والترمذي وقال ابن حجر: سنده جيد.
قال السري السقطي: كنْ مثل الصبي إذا اشتهى على أبويه شهوة، فلم يمكناه قعد يبكي عليهما، فكن أنت مثله، فإذا سألت ربك ولم يعطك فاقعد فابك عليه.
كما في شعب الإيمان للبيهقي.
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها مخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
ومن الأدعية في قضاء الدين، ما أخرجه أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فرأى فيه رجلاً من الأنصار، يقال له أبو أمامة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمك كلاماً -يعلق القلوب بالله صلوات الله وسلامه عليه- أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني) .
وروى البيهقي في فضائل الأعمال، عن حماد بن سلمة أن عاصم بن أبي إسحاق شيخ القراء في زمانه قال: أصابتني خصاصة، -أي: حاجة وفاقة- فجئت إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري، فرأيت في وجهه الكراهة، فخرجت من منزله إلى الجبانة-أي: إلى الصحراء- فصليت ما شاء الله تعالى، ثم وضعت وجهي على الأرض، وقلت: يا مسبب الأسباب! يا مفتح الأبواب! ويا سامع الأصوات! يا مجيب الدعوات! يا قاضي الحاجات! اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك -يلح على الله بهذا الدعاء- قال: فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي، فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيساً أحمر، فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون ديناراً وجوهراً ملفوفاً في قطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم وأفضلت -أي: أبقيت- الدنانير فاشتريت منها عقاراً، وحمدت الله تعالى على ذلك.
لا تعجب أيها الأخ! إن ربي لسميع الدعاء، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.