للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حقيقة الأخفياء]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وهذه ليلة الإثنين (٢٣/١٠/ ١٤١٤هـ) وعنوان هذا اللقاء: (الأخفياء) .

ولقد كنت قد تأملت ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الزهد قوله: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وسلم: (الخفي) ، فما زالت تلك الهواجس والأفكار والأسئلة تدور في الخاطر المكدود، من هو هذا العبد الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟! فقلت: لربما أنهم الذين عرفوا ربهم، وعرفهم سبحانه وتعالى، فأحبوه وأحبهم وحرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار وأسرار، والله سبحانه وتعالى يعلم إسرارهم فكان خيراً لهم.

وقلت: ولربما أنهم الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم؛ إلا لخوفهم من ربهم وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور، وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.

وقلت: فلربما أنهم هم الجنود المجهولون، الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم هذه الصحوة المباركة، فكم من ناصح ومن مرب وداع للحق لا يعرف، وكلمة ورسالة وشريط طار في كل مطار، فسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء، فهنيئا لهم! وقلت: فلربما أنهم أيضاً هم الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء، وكم من دمعة بللت الأرض، وبهذه الدمعات وهذه السجدات حفظنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقانا ربنا.

وقلت: فلربما أن الأخفياء هم الذين يسعون في ظلمة الليل، ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام؛ لإطعام الطعام وبذل المال؛ ليفكوا بها كربة مكروب، وليفرجوا بها هم أرملة ضعيفة شريدة الحال كثيرة العيال.

وقلت: فلربما أن الأخفياء هم أولئك الذين لا يعرفهم الناس، أو الذين لا يعرف أعمالهم الناس ولكن الله سبحانه وتعالى يعرفهم، وكفى بالله شهيداً فهنيئاً لهم.

ثم قلت: وما الذي يمنع أن يكونوا أولئك جميعاً، وأن تكون هذه الصفات كلها صفات لأولئك الأخفياء؟! ولذلك ترددت كثيراً في الحديث عن هذا الموضوع، فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم، وأستغفر الله جل وعلا، ونحن أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا، وقد قالها عبد الله بن المبارك:

لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد!!

رحمك الله يا بن المبارك عندما قلت هذا البيت تعني به نفسك، فماذا نقول إذاً نحن عن أنفسنا؟! ورحم الله القائل:

أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعه

وأكره من سجيته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعه

<<  <  ج: ص:  >  >>