[الضابط الصحيح للإخلاص والرياء]
ما هو المعيار في الإخلاص والمعيار في الرياء؟! ولا بد أن ننتبه لهذا الأمر، ولعلكم تتساءلون، فالقضية حساسة وقد تصيب النفس بالخواطر والهواجس، وقد ينشغل الإنسان لملاحظة نفسه في هذا الباب! إذاً ما هو المعيار والميزان الدقيق والضابط الصحيح في معرفة أنني مخلص أو غير مخلص؟! - استواء الظاهر والباطن:- ذكر ذلك أهل العلم، فبينوا أن الضابط في الإخلاص هو: استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن.
أي: أن تستوي أعمالك في ظاهرك وباطنك، هذا معيار الإخلاص.
وأما الضابط في الرياء هو: أن يكون ظاهرك خيرٌ من باطنك.
وأما صدق الإخلاص: أن يكون الباطن خيرٌ من الظاهر، ليست القضية أن يستوي الظاهر والباطن، فهذا هو الإخلاص.
- ترك العمل خوفاً من الرياء أمام الناس:- وهنا تنبيه هام جداً لا بد أن ننتبه له عند الحديث أو الكلام عن الإخلاص أو الرياء كما ذكرت، لأنه مسلك شائك، ولا ينبغي للإنسان أن يترك كثيراً من أعمال الخير بحجة الخوف من الرياء.
انتبه يا أخي الحبيب! وانتبهي أيتها الأخت المسلمة! لا ينبغي لكَ ولا ينبغي لكِ أن تترك كثيراً من الأعمال بحجة الخوف من الرياء، أو حتى أن تفتح على نفسك باب الهواجس والوساوس فيقع الإنسان فريسة لهذا الأمر، فيدخل الشيطان على القلب فيصبح الإنسان دائماً في وساوس وهواجس حول هذا الباب.
ولذلك اسمع للإمام النووي رحمه الله تعالى، وهو يقول كلاماً جميلاً جداً حول هذا الأمر المهم في كتاب الأذكار: فصل: الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل، ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفاً من أن يظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعاً، ويقصد به وجه الله تعالى، وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله تعالى: أن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليس هذا طريقة العارفين.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وهو كلامٌ نفيسٌ جداً.
واسمع لكلام ابن تيمية رحمه الله عندما يقول: ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك، فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سراً لله، مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص.
وبعض الناس يدخل على بعض الناس من باب أن ينهاه عن أمر لا يفعله أمام الناس.
لماذا؟! يقول: خشية الرياء! يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء، فنهيه مردود عليه من وجوه: الأول: أن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفاً من الرياء، بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها، فالفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهاره رياءً.
الثاني: أن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم) .
الثالث: أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين، فإذا رأوا من يظهر أمراً مشروعاً قالوا: هذا مراءٍ!! فيترك أهل الصدق إظهار الأمور المشروعة حذراً من لمزهم، فيتعطل الخير.
الرابع: أن مثل هذا -يعني إنكار الناس على عمل مشروع بحجة أنه رياء- من شعائر المنافقين، وهو الطعن على من يظهر الأعمال المشروعة، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:٧٩] .
انتهى كلامه مختصراً من الفتاوى.