للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فعل العبد أسباب الهداية]

ومن أسباب الاستقامة: إرادة الله الهداية للعبد، قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] .

وبعض الجهال والجاهلات يقولون: ماذا أفعل إذا لم يرد الله هدايتي؟! وأقول: هذه شبهة وحيلة نفسية، ومدخل شيطاني لدى كثير من المحرومين.

والإجابة على هذا نقول: لا بد من فعل الأسباب، فاطلب الهداية واسع لفعل أسبابها وجاهد النفس، وسترى إن شاء الله النتائج، وهكذا في كل أمر تريده لا بد معه من فعل الأسباب.

أتراك أيها المحروم! إذا طلبت النجاح في الامتحان تدرس وتقرأ وتحفظ وتسهر، فلو قلنا لك -مثلاً-: لا تدرس ولا تقرأ ولا تسهر، وإن كان الله أراد نجاحك فستنجح، أتوافق على هذا؟ أتوافقين على هذا؟ بالطبع لا.

إذاً: لا بد من فعل الأسباب، من ترك جلساء السوء، وترك وسائل الفساد والحرص على مجالس الصالحين وكثرة الذكر، والإلحاح بالدعاء أن يفتح الله على قلبك، وأن يثبتك على طريق الحق، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يكثر في سجوده من قول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فكيف بي وبك وبمن شابهنا من ضعاف الإيمان؟ ادع الله بصدق وبإلحاح أن يرزقك طريق الاستقامة، وها أنت تدعو في اليوم أكثر من سبع عشرة مرة، إن كنت ممن يحافظ على الصلوات المفروضة تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] ، ولكن مع الأسف بدون حضور قلب، أو تدبر للمعنى، فاصدق مع الله بطلب الهداية، وجاهد النفس فإن الله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] .

إذاً فقبل مرحلة الهداية لا بد من مرحلة المجاهدة وحبس النفس عن شهواتها، تذكر حلاوة الصلة بينك وبين الله يهن عليك مر المجاهدة، واعلم أن شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشرق، فاطلب الهداية من الله بصدق، واحرص على فعل أسبابها لعلك أن تشعر بالسعادة والراحة في الدنيا والآخرة.

وأسباب الهداية كثيرة لعلي ألخصها لك بالنقاط التالية لتحرص على فعلها: أولاً: كن صاحب هدف وعش لمبدأ، واعلم لماذا خلقت.

ثانياً: اعلم أن إرادة الله فوق كل شيء، لكنها في علم الغيب، فما عليك إلا أن تحرص على الخير وفعل الأسباب للوصول إليه، مع التنبه لحيل النفس ومداخل الشيطان.

ثالثاً: الإلحاح الشديد في الدعاء وكثرة ذكر الله.

رابعاً: الحرص على مصاحبة الصالحين ونبذ أهل الفسق والفجور، فإنهم لا يهدءون حتى تكون مثلهم، وصدق من قال: [ودت الزانية أن النساء كلهن زواني] .

خامساً: مجاهدة النفس ومحاسبتها وهل أنت مستعد للموت أم لا.

سادساً: أتبع السيئة الحسنة تمحها، وكلما وقعت بذنب أو معصية فأكثر من فعل الخيرات تصدق أطعم المساكين صل ركعتين أحسن إلى الوالدين احرص على كل خير، فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) .

سابعاً: تب كلما وقعت في ذنب أو معصية، وإياك إياك والملل من التوبة، ولو تبت من الذنب الواحد ألف مرة، واحذر من ضعف النفس وحيل الشيطان، فربما يحدثك الشيطان أنك منافق أو مخادع لله بكثرة توباتك، والمهم أن تكون صادقاً في التوبة والندم والإقلاع، وكلما رجعت للذنب بضعف النفس ارجع للتوبة، قال الإمام النووي: (باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة) وأنصحك بقراءة كتاب التوبة في صحيح مسلم لترى الأحاديث في عظم رحمة الله وفرحه بتوبة عبده، وهو غني عني وعنك وعن العالمين جميعاً؛ لكن إياك والاغترار بسعة رحمة الله مع الإصرار على المعاصي، واعلم أن الله شديد العذاب كما أنه غفور رحيم.

فالخلاصة: أكثر من الاستغفار والتوبة، واعلم أن خير البشر حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وآله وسلم صح عنه: (أنه كان يستغفر الله في اليوم سبعين مرة) وفي رواية: (مائة مرة) فكيف بي وبك أيها الحبيب! على كثرة ذنوبنا وضعف نفوسنا؟! فيا أيها المحب! يا أيها الإخوة! أيتها الأخوات! لنكثر من التوبة مهما تكرر الذنب، ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة أن الله عز وجل قال لذلك الرجل الذي تكرر منه الذنب فكرر التوبة فقال الله له: (علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، غفرت لعبدي، غفرت لعبدي فليفعل ما شاء) والحديث متفق عليه.

وعن عقبة بن عامر أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أحدنا يذنب، قال صلى الله عليه وسلم: يكتب عليه، قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: يغفر له ويتاب عليه، قال: فيعود فيذنب، قال: يكتب عليه، قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: يغفر له ويتاب عليه، قال: فيعود فيذنب، قال صلى الله عليه وسلم: يكتب عليه ولا يمل الله حتى تملوا) أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وأخرجه الطبراني في الكبير، وقال في المجمع: إسناده حسن.

فيا أخي الكريم! إياك وإهمال التوبة مهما كانت معاصيك، والمهم أن تكون جاداً في التوبة صادقاً فيها، فأغلق أبواب الشيطان، وسد المنافذ، وافعل الأسباب وستجد أثر ذلك على قلبك.

حفظك الله ورعاك من كل سوء وأعانك ووفقك للتوبة النصوح!

<<  <  ج: ص:  >  >>