الوسيلة الرابعة: استشعار عظمة هذه الأيام وقيمتها، وأنك تؤدي ركناً من أركان الدين ترجع فيه كيوم ولدتك أمك.
ومن هذا الاستشعار: استشعار عظمة لبس الإحرام، والتجرد من الملابس، فيذكره هذا العمل بتلك اللحظات، لحظات سكرات الموت، والرداءين بالأكفان، والتجرد من الملابس بيوم يجرد من ملابسه ليغُسَل ويكفن.
أيضاً واستشعار عظمة الموقف بـ عرفة بزحامه وحره وشدته، فيذكره بيوم الحساب، يوم يقف الناس عند الله حفاةً عراةً غرلاً، بزحامهم وعرقهم وشدة موقفهم.
واستشعار عظمة رمي الجمرات، وما فيه من الحكم من عداوة للشيطان، وعدم الاستجابة له ولوساوسه، وكم من إنسان يرمي الجمرات والشيطان قد تمكن من قلبه، فما أكثر معاصيه! وما أشد فسقه! ولو علم هذا الحاج المعنى الحقيقي لرمي الجمرات، لعلم بعد ذلك أنه بحاجة لرميه من قلبه، والاستعاذة من الشيطان قبل أن يرمي تلك الحصوات مجرد رمي فقط، وإن من حكم رمي الجمرات ذلك الاتباع للخليل ولمحمد عليهما الصلاة والسلام.
واستشعار عظمة الذبح يوم أن تقوم بذبح الهدي، وإراقة الدم لله وحده لا شريك له، ولذلك قال تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحج:٣٧] .
وهكذا يستشعر عظمة الحج بأركانه وواجباته لمعرفة حكمه وأهدافه، فيزداد حرصاً على استغلاله وتعظيماً لأيامه، ولذلك ذكر الله في آيات الحج قوله:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}[الحج:٣٠] ثم ذكر في الآية التي تليها، قال:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:٣٢] ومن استشعر عظمة الله هذه الأيام لم يفرط بساعة واحدة منها، وفقنا الله وإياكم للعمل الصالح الخالص لوجهه.