[الكلمة الثامنة: المجاهدة والصبر سلاح المتعلم]
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] .
قال ابن سعدي: على أن من جدّ واجتهد في طلب العلم الشرعي؛ فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نوعي الجهاد الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق؛ وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق ولو كانوا مسلمين، فلا بد لطالب العلم من مجاهدة النفس والصبر والمصابرة.
انتهى كلامه رحمه الله.
فبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، ومن طلب شيئاً وَجَدَّ وَجَد، ومن قرع الباب ولجَّ وَلَج، ويقول الشاعر:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
فلا بد من الجد والملازمة، وثني الركب، وسهر الليالي لطلب العلم.
بجِدي لا بجَدي كل مجدي فهل جَد بلا جِد بمُجْدي
فكم عبد يقوم مقام حر وكم حر يقوم مقام عبد
ولا بد لطالب العلم من المواظبة على الدرس والتكرار في أول الليل وآخره، فإن ما بين العشائين وقت السحر، ووقت السحر وقت مبارك.
بقدر الكد يكتسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم العزّ ثم تنام ليلاً يغوص البحر من طلب اللآلي
علو القدر بالهمم العوالي وعز المرء في سهر الليالي
تركت النوم ربي في الليالي لأجل رضاك يا مولى الموالي!
وذكر ابن فضيل عن أبيه أنه قال: كنا نجلس أنا وابن شبرمة والحارث العكلي والمغيرة والقعقاع بن يزيد بالليل نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء لصلاة الفجر.
وما أحسن ما قال الأصبهاني في محاضرات الأدباء: ما لزم أحد الدعة إلا ذل، وحب الهوينى يكسب الذل، وحب الكفاية مفتاح العجز.
انتهى كلامه.