[الدعوة إلى الله وأهميتها في رمضان]
الصورة الخامسة: في رمضان هذا العام رأيت إقبال الشباب والفتيات من صناع الحياة، ودُلَّال الخير، ودعاة الهدى، وكلٌ منهم على خير، هؤلاء يصولون ويجولون من حي إلى حي، ومن مسجد إلى مسجد لإرشاد الناس وتذكيرهم، حرموا أنفسهم لذة العبادة خلف إمام واحد، تذهب أنفسهم حسرات لختم القرآن مرات ومرات، لكن هيهات هيهات، فالوقت ينصرف في البحث والاطلاع في تفسير آية، أو شرح حديث، أو بحث مسألة، فلسان حالهم يقول: رمضان فرصةٌ للتوبة، وموسمٌ للإقبال على الله والندم على ما فات، فكم من ضال فرح بكلمته؟ أو جاهل اهتدى بعبارته؟ أو تائب نور الله به بصيرته؟! وهؤلاء قاموا على تفطير العمالة في مسجدهم، حرموا أنفسهم فرحة الإفطار مع أهلهم وأزواجهم، ضاعت اللغات، وتلاشت الجنسيات، لا كفيلٌ ولا مكفول {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] إخوةٌ في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم.
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقاء بالكد يصبح زائلا
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا
وأولئك يجمعون المال لشراء الأشرطة والرسائل والمطويات، وتوزيعها على المصلين والمصليات، وآخرون حملوا الطعام والأرزاق، وقطعوا الفيافي والمسافات، وهم صيامٌ تحت حرارة الشمس المحرقة، والرمال الملتهبة، ليقفوا مع المحتاجين والمساكين والأرامل واليتامى، فيطعموا الطعام، ويلبسوا اللباس، مع كلمة طيبة، وشريط نافع.
من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا
في ظل مقفرة غبراء مظلمة يطيل تحت الثرى في غيها اللبثا
تجهزي بجهاز تبلغين به يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
أما حراس الفضيلة وأعداء الرذيلة رجال الحسبة الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
فحدث ولا حرج! فنحن في صلاة وقيام وتدبر وقرآن، أما هم ففي معظم الأيام تبرجٌ وسفور، ومشكلاتٌ ومعاكسات، ومنكراتٌ وسيئات، وكأني بهم والألم يعصر قلوبهم على ليالي رمضان، ولكن أبشر أيها الأخ الحبيب! فأنت على خير عظيم.
إن لم تكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب لذات الدنايا عاكفونا
أيها الأخ الحبيب! أبشر فأنت على خير، ولن يضيع الله جهدك أبداً، فإن شاء الله أنت من الفائزين برمضان.
ذكرت حينها بعد هذه الصور حديث أبي ذر رضي الله عنه عند ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقةٌ في كل يوم طلعت فيه الشمس، قيل: يا رسول الله ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟ قال: إن أبواب الخير لكثيرة، التسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك) .
فأبواب الخير كثيرة، فلله در شبابنا وفتياتنا، فلسان حالهم يردد في كل لحظة: أنا مسلمٌ، أنا مسلمةٌ، فلم لا أكون محور حق، ومركز إشعاع، ومشعل هداية؟ عندها قلت: إن لم يكن أمثال هؤلاء من الفائزين برمضان، فمن إذاً؟ ذلك الذي لا يفكر إلا في نفسه ووظيفته وماله وولده؟ {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠] .