[الكلمة الحادية عشرة: الشبهات والشهوات خطر على العلم وأهله]
ومن نظر للواقع علم حقيقة الحال، فمن نجى من الشهوة وقع في الشبهة، والقليل من وفقه الله للاعتصام بالكتاب والسنة.
قال ابن القيم في المدارج: والقلب يتوارده جيشان من الباطل، جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغى إليها وركن إليها شربها وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه، وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل الإسفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات.
أو كما قال.
قال ابن القيم: فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وسُميت الشبهة شبهة؛ لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تُلبسُ ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس فيعتقد صحتها، وأما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك، بل يجاوز نظره إلى باطنها وما تحت لباسها، فينكشف له حقيقتها إلى أن قال: وكم قد قتل هذا الاغترار من خلق لا يحصيهم إلا الله.
انتهى كلامه.
فتنبه يا طالب العلم! للشبهات، فإن لها بهرجاً براقاً سرعان ما يتشربها القلب الضعيف، حتى يعتقدها فيدافع وينافح عنها، نسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.