[تحرص على إرضاء زوجها من ليلة زفافها]
اجتمع ذات مرة الشعبي وشريح القاضي، فنصح شريح الشعبي أن يتزوج من نساء بني تميم.
فقال شريح: يا شعبي! عليك بنساء بني تميم؛ فإني رأيت لهن عقولاً! قال الشعبي: وما رأيت من عقولهن؟ فحكى له شريح أنه مر ذات مرة بامرأة عجوز على باب دار، وبجوارها جارية جميلة، فطلب منهما أن تسقياه.
فقالت الجارية لـ شريح: أي الشراب أحب إليك؟ قال شريح: ما تيسر.
قالت العجوز: ويحك يا جارية! ائتيه بلبن؛ فإني أظن الرجل غريباً.
ثم سأل شريح العجوز عن الجارية، وعلم اسمها واسم أبيها وعرف أنها غير متزوجة، فتقدم إلى أهلها وطلب منهم فزوجوه منها.
قال شريح: فلو رأيتني يا شعبي وقد أقبل نساؤهم يهدينها حتى أدخلت علي، فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم فيصلي ركعتين فيسأل الله من خيرها ويعوذ بالله من شرها، فصليت وسلمت فإذا هي من خلفي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني ملحفةً قد صبغت في عطر العصفر، فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناحيتها فقالت: على رسلك أبا أمية كما أنت، ثم قالت خطبةً: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأزدجر عنه، وقالت: إنه قد كان لك في قومك منكح وفي قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك! قال شريح: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على النبي وآله وسلم.
أما بعد: فإنك قد قلت كلاماً إن تثبتي عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجةً عليك، أحب كذا وأكره كذا، ونحن جميع فلا تفرقي، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
قالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.
قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن لهم، ومن تكرهه أكره؟! قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
ثم ذكر شريح للشعبي أنه مكث مع زوجته لا يرى منها إلا ما يحب حولاً كاملاً! وفي نهاية الحول زارته امرأة عجوز هي قريبة زوجته وهي التي قامت بتربيتها في صغرها.
قالت العجوز: السلام عليك يا أبا أمية.
قال شريح: وعليك السلام، من أنت؟ قالت العجوز: أنا فلانة ختنك.
قال شريح: قربك الله.
قالت العجوز: كيف رأيت زوجتك؟ قال شريح: خير زوجة.
قالت العجوز: يا أبا أمية، إن المرأة لا تكون أسوأ منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك ريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة.
قال شريح: أما والله لقد أدبت فأحسنت الأدب، وروضت فأحسنت الرياضة.
قالت العجوز: أتحب أن يزورك ختانك؟ قال شريح: متى شاءوا.
فقال شريح: فكانت تلك العجوز تأتيه في رأس كل حول فتوصيه تلك الوصية.
ثم ذكر شريح للشعبي أنه لم يجد من تلك الزوجة ما يغضبه لمدة عشرين سنة، إلا مرةً واحدةً فقط وكان هو المخطئ والسبب في الخطأ الذي أغضبه، وذلك أنه كان إمام الحي يصلي بالناس، فأخذ المؤذن في إقامة صلاة الفجر، فشعر شريح بعقرب تدب وتتحرك فأخذ إناءً فأكفأه عليها، وقال شريح لزوجته زينب: يا زينب! لا تتحركي حتى آتي، فالتزمت زينب المرأة المطيعة لزوجها كلامه، ولم تتحرك كما قال لها، وكان ذلك سبباً في أن خرجت العقرب من تحت الإناء ولدغتها في إصبعها! لك أن تتصوري -أيتها المرأة- وتتأملي مثل هذا الموقف الجميل! خذي العبر والدروس من هذه القصة وانظري فيها؛ فإنك تملكين كثيراً من وسائل ترويض الزوج.