[تقصير النفس وتفريطها بعد رمضان]
وهكذا مضت الأيام ورحل رمضان، ثم ماذا؟ رحلت يا رمضان! ولم يمض على رحيلك سوى ليالي وأيام، ولربما رجع تارك الصلاة لتركه، وآكل الربا لأكله، وسامع الغناء لسماعه، ومشاهد الفحش لفحشه، وشارب الدخان لشربه.
رحلت يا رمضان! ولم يمض على رحيلك سوى ليالي وأيام، ولربما نسينا لذة الصيام، فلا الست من شوال ولا الخميس والاثنين ولا الثلاثة الأيام.
رحلت يا رمضان! ولم يمض على رحيلك سوى ليالي وأيام، ولربما لم نذق فيها طعم القيام.
سبحان الله! أين ذلك الخشوع، وتلك الدموع في السجود والركوع؟ أين ذلك التسبيح والاستغفار؟ وأين تلك المناجاة لله الواحد القهار؟ رحلت يا رمضان! ولم يمض على رحيلك سوى ليالي وأيام، ولربما هجرنا القرآن، وقد كنا نقرأ بعد الفجر وبعد الظهر وبعد العصر وفي الليل والنهار، وها هو نصف شهر مضى فكم قرأنا فيه من القرآن؟
خليلي شهر الصوم زُمَّت مطاياه وسارت وفود العاشقين بمسراه
فيا شهر لا تبعد لك الخير كله وأنت ربيع الوصل يا طيب مرعاه
نشرق بدموع الفراق أيها الأحبة! فلا نستطيع أن نبث المشاعر والآلام والأحزان، لما نجده من فقد لذة الطاعة، وحلاوة الإيمان، هكذا حال الدنيا اجتماع وافتراق، ومن منا لا تؤلمه لحظات الفراق ودموع العناق؟! رمضان أيها الصديق! أيها الجليس الصالح! أيها الحبيب!
أحس بجرحي يا صديقي كأنه يدب إلى أعماق قلبي ويوغل
ونفسي أمام المغريات قوية ولكنها عند الأحبة تسهل
كأن فؤادي لو تأملت ما به بما فيه من شتى المشاعر معمل
رمضان كيف ترحل عنا وقد كنت خير جليس لنا؟! بفضل ربنا كنت عوناً لنا، ونحن بين قارئ وصائم ومنفق وقائم، وباكٍ ودامع، وداعٍ وخاشع.
رمضان فيك المساجد تعمر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر، كنت للمتقين روضةً وأنساً، وللغافلين قيداً وحبساً، كيف ترحل عنا وقد ألفناك وعشقناك وأحببناك؟! رمضان ألا تسمع لأنين العاشقين وآهات المحبين؟!
اسمع أنين العاشقين إن استطعت له سماعا
راح الحبيب فشيعته مدامع ذرفت سراعا
لو كلف الجبل الأصم فراق إلف ما استطاعا