وفي هذا توجيهات: أولاً: اعلم أن الدعاء عبادة، ولو لم يحصل لك من دعائك إلا الأجر على هذا الدعاء بعد إخلاصك لله عز وجل فيه لكفى.
ثانياً: أن تعلم أن الله أعلم بمصلحتك منك، فيعلم سبحانه أن مصلحتك بتأجيل الإجابة أو عدمها.
ثالثاً: لا تجزع من عدم الإجابة، فربما دُفِع عنك بهذا الدعاء شراً كان سينزل بك، فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد وزاد فيه:(أو يدّخر له من الأجر مثلها) .
رابعاً: امتحان الصبر والتحمل: ربما كان عدم الإجابة أو تأخيرها امتحان لصبرك وتحملك وجلدك: هل تستمر في الدعاء وفي هذه العبادة أم تستحسر وتملّ وتترك الدعاء؟! ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي) متفق عليه.
وفي جزء من رواية لـ مسلم:(قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء) .
خامساً: أن تلقي باللوم على نفسك: وهي من أهمها، أنت تلقي باللوم على نفسك؛ فقد يكون سبب عدم الإجابة وقوعك أنت في بعض المعاصي، أو التقصير أو إخلالك بالدعاء أو تعديك فيه، فمن أعظم الأمور أن تتهم نفسك وتنسب التقصير وعدم الإجابة إلى نفسك، فهذا من أعظم الذل والافتقار إلى الله.
واسمع -أيضاً- لهذا الكلام الجميل النفيس، لـ ابن رجب رحمه الله في نور الاقتباس يقول: إن المؤمن إذا استبطأ الفرج، ويئس منه، ولاسيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه، ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة، يقول لها: إنما أُتيت من قبلك، ولو كان فيك خيراً لأجبت.
وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه، فلذلك يسرع إليه حينئذٍ إجابة الدعاء، وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، وعلى قدر الكسر يكون الجبر.