[مقياس الفوز والخسارة في رمضان]
لعل البعض يتساءل: إذن فما هو العلاج؟ ولا أطيل في العلاج، ولكني أقول: انظر وانظري إلى كل سبب من الأسباب السابقة، ولنحاول الابتعاد عنه هنا يكون العلاج.
وإذا أردنا رجالاً ونساءً أن نرى عظيم خسارتنا لرمضان، فلنجب على هذه الأسئلة السريعة بصراحة تامة ومحاسبة للنفس، فإننا سنقف أمام علام الغيوب الذي يعلم حقيقة القلوب: هل تقرأ القرآن بكثرة؟ وهل تختمه في رمضان بكثرة.
على الأقل ولو مرةً واحدةً في رمضان؟ هل تحرص على أداء الصلوات في وقتها بطمأنينة وخشوع، ومع جماعة المسلمين؟ هل تحافظ على السنن الرواتب القبلية والبعدية؟ هل تستحضرين النية في إعداد الطعام والشراب لأهلك، وتحتسبين الأجر على الله عز وجل؟ هل تصدقت وأطعمت الطعام؟ وإذا كانت الإجابة بنعم.
فبكم؟ وهل يساوي أو على الأقل يقارب ما يصرف على اللباس والزينة خاصةً في شهر رمضان؟ وأنت أيها الرجل! كم أنفقت في سبيل الله؟ وهل تحمل هم المسلمين والمساكين في كل مكان؟ وهل تحرص على أداء صلاة التراويح بآدابها؟ وأنت أيتها الأخت! هل تحرصين على صلاة التراويح مع المصلين في المساجد، أو حتى لوحدك في البيت؛ فإن خير صلاة المرأة في قعر دارها؟! كم ساعة تنام وكم ساعة تنامين في اليوم في رمضان، في موسم الخيرات والحسنات؟ كم شريطاً نافعاً من قراءة قرآن أو محاضرة سمعتها من خلال رمضان؟ كم ساعة تسهرين، وكم ساعة تسهر، وعلى أي شيء تسهر؟ كم عدد تلك الدقائق التي نقضيها في التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار؟ هل وقفنا يوماً من الأيام في ظلمة ليل أو في مكان خالٍ، ورفعنا أكف الضراعة للدعاء في وقت السحر أو في أي وقت من أوقات رمضان؟ هل تستغلين الزيارات والجلسات بالمناصحة والتفقه والدعوة إلى الله عز وجل؟ هل تجتهدين في طاعة زوجك ورعاية أولادك خلال هذا الشهر؟ هل طهرنا بيوتنا من المنكرات؟ هل طهرنا أموالنا من الربا والحرام؟ الأسئلة كثيرة، ومن خلال الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها سنعرف مدى الخسارة والربح الذي ينالنا في هذا الشهر، فاصدق مع نفسك ما دام في العمر فسحة، وقبل أن تندم فلا ينفع الندم.
عليك بما يفيدك في المعاد وما تنجو به يوم التناد
فما لك ليس ينفع فيك وعظ ولا زجر كأنك من جماد
ستندم إن رحلت بغير زاد وتشقى إذ يناديك المناد
فلا تفرح بمال تقتنيه فإنك فيه معكوس المراد
وتب مما جنيت وأنت حي وكن متنبهاً من ذا الرقاد
يسرك أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد؟!
هذه أربعون سبباً لخسارة رمضان، يشترك فيها الرجال والنساء، جمعتها تنبيهاً للغافل، وإعانةً للذاكر، وتعليماً للجاهل، وهي عرضة للخطأ والنسيان والتقصير، ولا شك أنها بحاجة إلى المزيد من الترديد والتأكيد؛ لينتفع بها القريب والبعيد، والنبيه والبليد.
فكن لها شاهراً وناشراً وناصحاً وذاكراً، واحذر هذه الأسباب، وتنبه لشرورها، ولا تحرم نفسك الخير ومواسم الطاعة، فكن من الفائزين برمضان، فلو رأيتهم وقد هجروا لذيذ المنام، وأداموا لربهم الصيام، وصلوا بالليل والناس نيام، يتسابقون كل يسأل حاجته، أحدهم العفو عن زلته، وآخر يسأل التوفيق لطاعته، وثالث يستعيذ به من عقوبته، ورابع يرجو منه جميل مثوبته، وخامس يشكو إليه ما يجد من لوعته، وسادس شغله ذكره عن مسألته، فسبحان من وفقهم! وغيرهم خاسر محروم.
فإذا أردت المزيد من وصفهم ومعرفة حالهم، فاحرص على سماع الشق الآخر لهذا الموضوع وهو بعنوان: (الفائزون في رمضان) لتعلم أن الخير ما زال في هذه الأمة، لتعلم حال الخير في الخلف كما أن الخير أيضاً في حال السلف رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وإن كنا نسمع ونرى ونقرأ حال الخاسرين الغافلين وما أكثرهم، فإن هناك الصالحين الفائزين الذين تكتحل العيون لرؤيتهم، وتطرب الآذان لأخبارهم، وتنشرح النفوس لأحوالهم، ليسوا من السلف بل هم بقية من السلف من إخواننا وأخواتنا ممن يعيشون بيننا.
ولعلك اشتقت لسماع أخبارهم ومعرفة أحوالهم، فارجع لذلك الدرس؛ لتعلم الفرق الكبير بين الربح والخسارة.
جعلنا الله وإياك من الفائزين برمضان، وجنبنا وإياك الخسران.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا عارفاً بالحال والشأن، اللهم ارحم ضعفنا، وتب علينا توبة صادقة نصوحاً، اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا من أهل الصلاة والصيام والقيام، اللهم وفقنا لاستغلال رمضان، اللهم اجعلنا فيه من الفائزين ولا تجعلنا فيه من الخاسرين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.