[محرومون من حسن الخاتمة]
ومن المحرومين من حرم حسن الخاتمة نسأل الله عز وجل حسنها-: عجيب أمرك أيها المحروم! إنك تعلم أن الموت حق، وأنه نهاية الجميع، ومع ذلك تصر على حالك وأنت تسمع هذه الكلمات مراراً وتكراراً.
أيها الأخ! ويا أيتها الأخت! ليس العيب أن تخطئ، ولكن العيب الاستمرار على الخطأ، أيهما تريد: أن تموت على خير أو على شر؟! أقول هذا لأننا نرى ونسمع نهاية بعض المحرومين، نسأل الله حسن الخاتمة.
قال ابن القيم في الجواب الكافي: ثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار، والانتقال إلى الله تعالى! فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيراً من المحتضرين ممن أصابهم ذلك.
ثم ذكر رحمه الله صوراً لبعضهم، منها: قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء، ويقول: تان تنا تن تنا.
وقيل لآخر: فقال: كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها إلى آخر الصور التي ذكرها رحمه الله تعالى إلى قوله: وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبراً، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.
ونحن اليوم نشاهد ونسمع ونقرأ صوراً كثيرة لسوء الخاتمة ومنها: أن رجلاً ذهب إلى أحد البلاد المعروفة بالفساد، وهناك في شقته شرب الخمر -أعزكم الله- قارورة ثم الثانية ثم الثالثة، وهكذا حتى شعر بالغثيان، فذهب إلى دورة المياه -أعزكم الله-ليتقيأ، أتدري -أيها المحب- ماذا حدث له؟ مات في دورة المياه، ورأسه في المرحاض -أعزكم الله-! ومنها أن شاباً كان لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، وكان لا يصلي، أضاع طريق الهداية، وعندما نزلت به سكرات الموت قيل له: قل لا إله إلا الله -يا لها من لحظات حرجة، وكربات وشدائد وأهوال- أتدرون ماذا قال؟ أخذ يردد أنه كافر بها؛ نسأل الله حسن الخاتمة! ومنها: أن شاباً حصل له حادث على إحدى الطرق السريعة، فتوقف بعض المارة لإسعافه فوجدوه يحتضر والموسيقى الغربية تنبعث بقوة من مسجل السيارة، فأطفئوه وقالوا للشاب: قل لا إله إلا الله، فأخذ يسب الدين ويقول: لا أريد أن أصلي، لا أريد أن أصوم، ومات على ذلك والعياذ بالله! يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق السريعة: فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي، فإذا سيارة مرتطمة بسيارة أخرى، حادث لا يكاد يوصف، شخصان في السيارة في حالة خطيرة، أخرجناهما ووضعناهما ممددين، وأسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية فوجدناه قد فارق الحياة، عدنا للشخصين فإذا هما في حالة الاحتضار، هبَّ زميلي يلقنهما الشهادة، ولكن ألسنتهما ارتفعت بالغناء، أرهبني الموقف، وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت، أخذ يعيد عليهما الشهادتين وهما مستمران في الغناء، لا فائدة! بدأ صوت الغناء يخفت شيئاً فشيئاً، سكت الأول وتبعه الثاني، فقدا الحياة! لا حراك، يقول: لم أر في حياتي موقفاً كهذا، حملناهما في السيارة، قال زميلي: إن الإنسان يختم له إما بخير أو بشر بحسب ظاهره وباطنه، قال: فخفت من الموت، واتعظت من الحادثة، وصليت ذلك اليوم صلاة خاشعة.
وبعد مدة حصل حادث عجيب: شخص يسير بسيارته سيراً عادياً، وتعطلت سيارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة، ترجل من سيارته لإصلاح الخلل في أحد العجلات، جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف، سقط مصاباً إصابات بالغة فحملناه معنا في السيارة، وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله -شاب في مقتبل العمر متدين، يبدو ذلك من مظهره- عندما حملناه سمعناه يهمهم فلم نميز ما يقول، ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا سمعنا صوتاً مميزاً إنه يقرأ القرآن وبصوت ندي -سبحان الله- لا تقول: هذا مصاب، الدم قد غطى ثيابه وتكسرت عظامه، بل هو على ما يبدو على مشارف الموت، استمر يقرأ بصوت جميل، يرتل القرآن، فجأة سكت التفتُّ إلى الخلف فإذا به رافع إصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأسه قفزت إلى الخلف، لمست يده، قلبه، أنفاسه، لاشيء فارق الحياة نظرت إليه طويلاً، سقطت دمعة من عيني، أخبرت زميلي أنه قد مات، انطلق زميلي في البكاء، أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف، أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثراً!! وصلنا إلى المستشفى، وأخبرنا كل من قابلنا عن قصته، الكثير تأثروا، ذرفت دموعهم، أحدهم بعد ما سمع قصته ذهب وقبل جبينه، والجميع أصروا على الجلوس حتى يصلى عليه، اتصل أحد الموظفين بمنزل المتوفى، كان المتحدث أخاه الذي قال عنه: إنه يذهب كل إثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية، كان يتفقد الأرامل واليتامى والمساكين، وكانت تلك القرية تعرفه، فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة، وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين، حتى حلوى الأطفال كان لا ينساها، وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق، كان يرد عليه بقوله: إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته، وسماع الأشرطة النافعة، وإنني أحتسب إلى الله كل خطوة أخطوها.
يقول ذلك العامل في مراقبة الطريق: كنت أعيش مرحلة متلاطمة الأمواج، تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه لكثرة فراغي وقلة معارفي، وكنت بعيداً عن الله، فلما صلينا على الشاب، ودفناه واستقبل أول أيام الآخرة، استقبلت أول أيام الدنيا، تبت إلى الله عسى أن يعفو عما سلف، وأن يثبتني على طاعته، وأن يختم لي بخير.
انتهت القصة بتصرف من رسالة لطيفة بعنوان: الزمن القادم.
قلت: صدق ابن القيم رحمه الله بقوله: وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبراً، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.
أقول: كيف يوفق لحسن الخاتمة من حرم نفسه الاستقامة والطاعة لله، فقلبه بعيد عن الله غافل عنه، عبد لشهوته وهواه، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
وهذا موقف آخر، قال أبو عبد الله: لا أعرف كيف أروي قصتي التي عشتها منذ فترة، والتي غيرت مجرى حياتي كلها، والحقيقة أنني لم أقرر الكشف عنها إلا من خلال إحساسي بالمسئولية تجاه الله عز وجل، ولتحذير بعض الشباب الذي يعصي ربه، وبعض الفتيات اللاتي يسعين وراء وهم زائف اسمه الحب.
يقول: كنا ثلاثة من الأصدقاء يجمع بيننا الطيش والعبث.
كلا، بل أربعة؛ فقد كان الشيطان رابعنا، فكنا نذهب لاصطياد الفتيات الساذجات بالكلام المعسول ونستدرجهن إلى المزارع البعيدة، وهناك يفاجأن بأننا قد تحولنا إلى ذئاب لا ترحم، لا نرحم توسلاتهن بعد أن ماتت قلوبنا ومات فينا الإحساس، هكذا كانت أيامنا وليالينا في المزارع وفي المخيمات والسيارات وعلى الشواطئ.
إلى أن جاء اليوم الذي لن أنساه، ذهبنا كالمعتاد للمزرعة، كان كل شيء جاهز، الفريسة لكل واحد منا الشراب الملعون شيء واحد نسيناه هو الطعام، وبعد قليل ذهب أحدنا لشراء طعام العشاء بسيارته، كانت الساعة السادسة تقريباً عندما انطلق، ومرت الساعات دون أن يعود، وفي العاشرة شعرت بالقلق عليه، فانطلقت بسيارتي أبحث عنه، وفي الطريق شاهدت بعض ألسنة النار تندلع على جانب الطريق، وعندما وصلت فوجئت بأنها سيارة صديقي، والنار تلتهمها وهي مقلوبة على أحد جانبيها، يقول: أسرعت كالمجنون أحاول إخراجه من السيارة المشتعلة ذهلت عندما وجدت نصف جسده وقد تفحم تماماً، لكنه كان ما يزال على قيد الحياة!! نقلته إلى الأرض وبعد دقيقة فتح عينيه وأخذ يهذي: النار النار! فقررت أن أحمله بسيارتي وأسرع إلى المستشفى، لكنه قال لي بصوت باكٍ: لا فائدة، لن أصل، فخنقتني الدموع وأنا أرى صديقي يموت أمامي، وفوجئت به يصرخ: ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟ نظرت إليه بدهشة وسألته: من هو؟ فقال بصوت كأنه قادم من بعيد: الله! أحسست بالرعب يجتاح جسدي ومشاعري، وفجأة أطلق صديقي صرخة مدوية ولفظ آخر أنفاسه! ومضت الأيام، لكن صورة صديقي الراحل ظلت وهو يصرخ والنار تلتهمه: ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟! ووجدت نفسي أتساءل: وأنا ماذا سأقول له؟! وليتساءل كل محروم ماذا سيقول لله؟ يقول: ففاضت عيناي واعترتني رعشة غريبة، وفي نفس اللحظة سمعت المؤذن لصلاة الفجر ينادي: الله أكبر، الله أكبر، حي على الصلاة، فأحسست أنه نداء خاص بي يدعوني لأسدل الستار على فترة مظلمة من حياتي، يدعوني إلى طريق النور والهداية، فاغتسلت وتوضأت وطهرت جسدي من الرذيلة التي غرقت فيها لسنوات، وأديت الصلاة.
ومن يومها لم يفتني فرض واحد، لقد أصبحت إنساناً آخر؛ فسبحان مغير الأحوال!! انتهت من رسالة لطيفة للشباب فقط.