[أسباب خسارة رمضان عند الرجل]
هنا أيضاً عشرون سبباً أخاطب فيها الرجل، وربما شاركته المرأة في بعضها: ١/ وأول هذه الأسباب: عدم أداء الصلاة مع الجماعة، والنوم عنها، أو التأخر عنها، والتساهل فيها، وقضاء الفائت منها على عجل، وهذا أمر مشاهد ملموس، وربما شاركه فيه كثير ممن انتسبوا للخير، ومن كان للفرائض مضيعاً أو متساهلاً فهو لما سواها أضيع، وكيف يريد هذا الإنسان أن يفوز برمضان؟ وإنك لتعجب من أمر الصائم، كيف أمسك عن الطعام والشراب وجاهد نفسه، ولم يستطع أن يجاهد نفسه على الحرص على الفرائض والواجبات! وصدق صلى الله عليه وسلم: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش) .
٢/ من أسباب خسارة رمضان للرجال: الرياضة، نعم الرياضة، سحرت الكبير والصغير، الصالح والطالح، وغريب أن تنشط الدورات الرياضية الرباعيات والسداسيات خلال رمضان، وكان الأولى بالأندية الرياضية أن ترسم البرامج لاستغلال طاقات الشباب وتوجيههم في رمضان، وأن تكون عوناً لهم على طاعة الله عز وجل، وقل مثل ذلك في الاستراحات والأرصفة والطرقات، ونحن نقول: إذا كان ولا بد فساعة أو ساعتين -أي: للرياضة- ثم تنظم المسابقات لتلاوة القرآن وحفظه وفهم معانيه، والاستفادة من الوقت في باقي الأوقات، فإن رمضان شهر القرآن وليس شهر الرياضة.
والمصيبة أن تستمر الرياضة وبرامجها حتى في العشر الأواخر من رمضان، فمتى يصلي التراويح؟ ومتى يصلي القيام؟ ومتى يقرأ القرآن؟ ومتى ينام؟ نعوذ بالله من الخسران، ومن موت القلب وشدة الغفلة.
أخي! ما بال قلبك ليس ينقى كأنك لا تظن الموت حقا
أيا ابن الذين فنوا وبادوا أما والله ما بادوا وتبقى
وما أحد بزادك منك أحصى وما أحد بزادك منك أشقى
وما للنفس عندك مستقر إذا ما استكملت أجلاً ورزقا
٣/ ومن الأسباب: الاستراحات والجلسات والملاحق، فبدل أن تستغل للاجتماع على استغلال رمضان والتعاون على البر والتقوى، أصبحت -وللأسف- عند البعض من أسباب خسارة رمضان، وضياع الزمان، حتى الصالحين -وللأسف- حتى معلمي الخير، نبحث عن الشباب ومشاركاتهم في أعمال البر والخير، وفي أمور الدعوة والتوجيه، فإذا بهم تجمعوا شللاً وأحزاباً في الاستراحات، وإذا بالقيل والقال والغيبة والنميمة؛ فضاعت ليالي رمضان وضاع رمضان، أما أهل الغفلة والضياع فأصبحت الاستراحات بالنسبة لهم مواخير للفساد بأنواعه، بدءاً بالدش ونهايةً بالرذيلة -عافانا الله وإياكم- إلا من رحم الله، نسأل الله لنا ولهم الهداية والصلاح يقول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩] .
٤/ ومن أسباب خسارة رمضان: التسكع في الشوارع والأسواق، وإيذاء الناس، والجلوس على الأرصفة.
غفل كثير من الناس عن أولادهم؛ فتركوهم يسرحون ويمرحون في الشوارع، ويسهرون للعب والسفه، ولا أقول هنا سوى: أين الآباء والأمهات؟ أين التوجيه؟ أين حمل الأمانة؟! أي قلب لك أيها الأب! وأي حنان هذا الذي تدعينه أيتها الأم! والأولاد في الشوارع، وعلى الأرصفة بدون رقيب ولا حسيب، ولا سؤال ولا جواب؟ والله ليأتين يوم يوقف فيه الابن أباه، ويحاسبه على تفريطه وتقصيره في تربيته.
٥/ المعاكسات سواءً في الأسواق أو عبر الهاتف، ويعلم الله ما كنت لأضع هذا سبباً من أسباب خسارة رمضان؛ لولا أني سمعت من رجال الحسبة عجباً، ومن التائبين أعجب العجب، والله إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع؛ أن أصبح بعض شبابنا ذئاباً بشرية لا يهمهم سوى شهواتهم، بدون تفكير في مصير ضحيته وحالها، وبدون مراقبة لله عز وجل، جريمة أن يصبح رمضان موسماً للصوص الأعراض، تخرج المرأة بحجة الذهاب إلى السوق، أو بحجة صلاة التراويح، ثم يكون ما يكون على غفلة من الأب المسكين، والأم الحانية، فأي موت للقلب هذا، وأي عبودية للشهوة؟! إن أهل الفضيلة ما حسبوا أن مثل هذا يقع، بل ولا دار -والله- في خلدهم، أما أهل الرذيلة فهم يتفننون ويخططون ويرسمون {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠] .
سبحان الله! حتى في رمضان؟ بل وفي العشر الأواخر منه -وللأسف- وما كنت لأوجع قلوبكم بمثل هذا؛ لولا الحقائق المرة المؤلمة، فالحذر الحذر قبل وقوع الفأس بالرأس.
٦/ ومن الأسباب: جلساء السوء وأصحاب الهمم الدنيئة، وهم من أعظم أسباب خسارة رمضان.
وألخص الأمر لك بكلمة: قل لي: من تجالس أقل لك من أنت، وهل ربحت أم خسرت؟ قال مالك بن دينار: [إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار] والخبيص: نوع من أنواع الحلوى يصنع من التمر مخلوطاً بالسمن.
وقال موسى بن عقبة: إن كنت لألقى الأخ من إخواني فأكون بلُقيه عاقلاً أياماً.
أي متأثراً به.
فكم من إنسان صالح فيه خير كثير ضاع عليه رمضان بسبب جلسائه، والواقع يشهد بذلك.
٧/ ومن الأسباب لخسارة رمضان للرجال: الدخان والشيشة، وهما من الأمور المحرمة التي اعتادها الناس واستمرءوها.
فقم بزيارة خاطفة للمقاهي في ليالي رمضان، ففيها ضياع المال الذي سيسأل عنه، وفيها ضياع للصحة التي سيسأل عنها، وفوق ذلك إثم ووزر؛ فهي مغضبة للرب، منجسة للفم والصحة.
والمضحك المبكي أن بعض المدخنين فور سماعه للأذان يفطر على سيجارة بدل التمرة، نعوذ بالله من غضب الله، ومن الخسران! ٨/ ومن الأسباب: أكل الحرام ومنه الربا والغش والسرقة، وفيه حديث أبي هريرة الذي ذكر في آخره قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له) كما في صحيح مسلم في كتاب الزكاة.
كيف يريد الربح في رمضان وهو إن تصدق لم تقبل، وإن دعا رد دعاؤه! والله ما قست القلوب، ولا ضاعت البركة، ولا فسد الأولاد؛ إلا بسبب أكل الحرام، وانطمس النور لما فقدت اللقمة الحلال.
٩/ التزييف والخداع والنجش والحلف الكاذب من بعض التجار في رمضان، فرمضان موسم تجاري كبير، ولا بأس بهذا، لكن بعض البائعين غفل عن أنه صائم، أو ظن أن الصيام مجرد إمساك عن الطعام والشراب؛ فوقع في كثير من منكرات البيع والشراء وسوء المعاملة، ومن ذلك ما نجده في الدعايات والإعلانات المبالغ فيها، وربما المكذوب فيها، والملبس فيها على كثير من المسلمين.
١٠/ ومن الأسباب: الانسياق واللهثان وراء التجارة وطلب المال، والإفراط في ذلك إلى حد التقصير في الواجبات، فهو في السوق منذ الصباح إلى المساء، وربما في ساعات طويلة من الليل أيضاً، أليست هذه خسارة لرمضان؟ وربما صاحب هذا الجلوس إطلاق العنان للبصر ومحادثة النساء، وربما الغيبة.
ففي العشر الأواخر أفضل الأيام، الناس في صلاة وقيام، وقراءة للقرآن، ودعاء واستغفار، وبكاء وخشوع.
صيام العارفين له حنين إلى الرحمن رب العالمينا
تصوم قلوبهم في كل وقت وبالأسحار هم يستغفرونا
بينما البائع المسكين في السوق يعرض نفسه لكل فتنة فتنة المال والنساء والبصر، فكان الله في عونهم وغفر لنا ولهم.
١١/ ومن الأسباب -أيضاً-: الإهمال في العمل الوظيفي، والتأخر عنه، والخروج قبل نهاية الدوام.
كيف يسوغ لمسلم صائم أن يستحل ساعة أو ساعتين من دوامه؟ أو أن يترك عمله، أو يهمل فيه وهو يعلم أن هذا خيانةً للأمانة، ونقصاً للعهد الذي بينك وبين المؤسسة التي تعمل فيها؟ ولهذا فإنك ترى في أمثال هؤلاء قلة البركة والتوفيق، وكثرة الديون، هذا في الدنيا وما عند الله يعلمه الله.
ألا تخشى وقد قصرت في عملك وأهملت، أن يرد عليك صيامك أو أن ينقص أجره؟ فالله الله بإتقان العمل وأداء الأمانة، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
أيها الموظف! اسمع هذا الحديث: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مجاب الدعوة، فقال له صلى الله عليه وسلم: أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة) .
إذاً: فربما خسرت رمضان، أو إجابة الدعاء؛ بسبب إهمالك أو تقصيرك في عملك، فاتق الله، وخف منه، واعلم أن الله يراك ومطلع عليك في كل حال.
١٢/ ومن الأسباب -أيضاً- لخسارة رمضان: التهاون ببعض الذنوب والتعود عليها من غير ندم ولا استغفار ولا تجديد توبة، فالإسبال -مثلاً- وحلق اللحية، وسماع الغناء، وغيرها، هذه ذنوب تتكرر مع البعض مرات ومرات؛ حتى أصبح ذلك المسكين لا يعدها ذنباً، وهي محسوبة عليه كلما عاد إليها، فكان الأولى به تجديد التوبة وكثرة الاستغفار والندم، وأنه وقع فيها عن ضعف نفس وإيمان، وليس عن تكبر وعصيان، وهذه الذنوب كم تؤثر على رمضان وعلى الصيام، وقد تكون سبباً في خسارته لرمضان وهو لا يشعر.
لا تحتقروا هذه الذنوب وتتهاونوا فيها، فإنها تجتمع على العبد حتى تهلكه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم ومحقرات الذنوب) .
١٣/ ومن الأسباب آفات اللسان: كالسباب والشتام، والغيبة وبذاءة اللسان والكذب.
فيا أيها الصائم! حتى لا تخسر رمضان أمسك عليك لسانك، واسمع لهذه الآية: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] وفي الحديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وفيه -أي في الحديث-: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) .
فاللسان إذن يوردك الجنة أو يقذف بك إلى النار، فقد يخسر العمر كله وليس رمضان فحسب، فلنحذر من آفات اللسان في كل وقت وخاصة في رمضان.
١٤/ ومن الأسباب: التساهل وعدم الجدية، ويتضح هذا في كثرة المزاح، والضحك والتعليق، وربما السخرية والاستهزاء.
١٥/ ومن الأسباب لخسارة رمضان: الظلم، مهما كان لك من أعمال صالحة، ومهما حرصت على رمضان فما دمت ظالماً؛ أخذت منك هذه الأعمال الصالحة بقدر مظلمتك، وإن لم يكن