[المقصود بالمعاتبة ومعنى العتاب]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أحبتي في الله! أهلاً وسهلاً بأهل هذه البلدة الصالح أهلها، ولا نعلم والله عنكم إلا خيراً، وقد ملكتم قلوبنا بحسن أخلاقكم، وسخاء أنفسكم، وطيب قلوبكم، هذه ظواهركم والله تعالى يتولى السرائر.
أيها الأحبة! في ليلة الجمعة من الشهر السابع لعام (١٤١٤هـ) وفي مدينة المذنب في جامع الجمل، نستمع وإياكم إلى هذه المحاضرة والتي هي بعنوان: تعال نتعاتب.
وكما سمعت من الإخوة كثير يسأل عن هذا العنوان؟ وماذا نقصد بالتعاتب؟ بارك الله فيكم، وجزاكم عني خيراً عندما أجبتم دعوتي بقولي: (تعال) ، وهأنا أرى وجوهاً منيرة طيبة أسأل الله أن يجمعني وإياها في جنات النعيم.
الموضوع ينقسم إلى قسمين اثنين: أما القسم الأول: فهو العتاب معناه وشرعيته وشروطه وأسبابه، وسيكون على سبيل الاختصار والإيجاز؛ حتى يتبين أولئك الذين يستفسرون عن معنى العتاب؟ وماذا أقصد بهذا الموضوع؟ والقسم الثاني: وهو المقصود في هذه المحاضرة، وهو عبارة عن: صور ومواقف للحوارات بيني وبين صاحب لي، وستعلمونها إن شاء الله.
أما العتاب معناه: فالعتاب والمعاتبة إذا ذكر كل واحد منهما صاحبه ما فرط منه إليه من الإساءة، وقال الخليل: العتاب مخاطبة إدلال، ومذاكرة وحل، والاستعتاب: طلبك إلى المسيء الرجوع عن إساءته، والتعتب والمعاتبة والعتاب، كل ذلك مخاطبة الأخلاء بعضهم بعضاً، طالبين حسن مراجعتهم، ومذاكرة ما كرهوه.
والعتب هو: الرجل الذي يعاتب صاحبه أو صديقه في كل شيء إشفاقاً عليه ونصيحةً له، ويقال: إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب، وإنما يعاتب من ترجى عنده العتبى، أي: الرجوع عن الذنب والإساءة، وهذا هو حسبنا فيكم أيها الأحبة! وفي كل من يسمع هذا الكلام.
وقد قال الحق سبحانه وتعالى عن أهل النار: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٤] .
وقد ورد هذا اللفظ (العتاب) بتصاريفه في القرآن في أكثر من آية، ورد في هذه الآية في سورة فصلت وكرر فيها -أيضاً-، وورد في سورة النحل والروم والجاثية، وقد قال ابن كثير عن هذه الآية {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٤] قال: وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا -والآية تتكلم عن أهل النار- أعذاراً فما لهم أعذار، ولا تقال لهم عثرات، والعياذ بالله.
قال البخاري في صحيحه في كتاب الأدب (باب من لم يواجه الناس بالعتاب) أي: حياءً منهم، ثم ذكر بعد ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال-انظر العتاب-: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟! فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشيةً) وكان من عادة رسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يعاتب بعض أصحابه قال: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) .
وأيضاً أخرج البخاري في كتاب الأدب (باب ما ينهى عن السباب واللعن) من حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سباباً ولا لعاناً ولا فحاشاً، وكان يقول عند المعاتبة -إذاً المعاتبة واردة هنا منه صلى الله عليه وآله وسلم- وكان يقول عند المعاتبة، وفي لفظ: عند المعتبة، ما له ترب جبينه) وهي كلمة جارية على لسان العرب ولا يراد بها الدعاء عليه.
وأخرج البخاري -أيضاً- في كتاب التيمم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت في قصة نزول آية التيمم: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق -أي: أبوها- فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟! أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام -تقول عائشة - فقال -أي أبو بكر -: حبستِ -يقصد عائشة - رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء! فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن حضير: ما هي أول بركاتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته) .
والشاهد من الحديث قول عائشة رضي الله تعالى عنها: (فعاتبني أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول) .
إذاً: فالعتاب وارد في القرآن والسنة.