[نماذج من الاستجابة لدعاء الأنبياء]
هذا نوح عليه السلام يشكو أمره إلى الله ويلجأ إلى مولاه، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات:٧٥-٧٦] .
كانت المناداة كانت المناجاة؛ فكانت الإجابة من الرحمن الرحيم.
وقال: {وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء:٧٦] وقال عزّ من قائل: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:١٠-١١] .
هذا أيوب عليه السلام ابتلاه الله بالمرض ثمانية عشر عاماً، حتى إن الناس ملوا زيارته لطول المدة، فلم يبق معه إلا رجلان من إخوانه يزورانه، لكنه لم ييأس عليه السلام، بل صبر واحتسب، وأثنى الله عليه فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٤٤] .
أواب، أي: رجاع منيب إلى ربه، ظل على صلته بربه، وثقته به ورضاه بما قسم له، توجه إلى ربه بالشكوى؛ ليرفع عنه الضر والبلوى.
قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:٨٣] فماذا كانت النتيجة؟ قال الحق عز وجل العليم البصير بعباده، الرحمن الرحيم: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:٨٤] .
هذا يونس عليه السلام رفع الشكاية إلى الله فلم ينادِ ولم يناجِ إلا الله، قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧] فماذا كانت النتيجة؟ {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:٨٨] .
وزكريا عليه السلام قال الحق عز وجل عنه: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:٨٩] الذين يشكون العقم وقلة الولد: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:٨٩] فماذا كانت النتيجة؟ {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠] .
إذاً: لماذا استجاب الله دعاءهم؟ لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات كانوا لا يملون الدعاء، بل كان القلب متصلاً متعلقاً بالله؛ لذلك قال الله عنهم: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠] خاشعين متذللين معترفين بالتقصير، فالشكاية تخرج من القلب قبل اللسان.
يعقوب عليه السلام قال: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:٨٦] انظروا إلى اليقين، انظروا إلى المعرفة برب العالمين: {وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:٨٦] فاستجاب الله دعاءه وشكواه، ورد عليه يوسف وأخاه.
وهذا يوسف عليه السلام ابتلاه الله بكيد النساء، فلجأ إلى الله وشكا إليه ودعاه، فقال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف:٣٣-٣٤] .
وأخبر الله عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال:٩] استغاثة لجاءة وشكوى إلى الله، صلة بالله سبحانه وتعالى، {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:٩] .
وهكذا أيها الحبيب! إننا حين نستعرض حياة الرسل جميعاً، كما قصها علينا القرآن الكريم، نرى أن الابتلاء والامتحان كان مادتها وماءها، وأن الصبر وحسن الصلة بالله ودوام الالتجاء وكثرة الدعاء وحلاوة الشكوى كان قوامها.
وما أشرنا إليه كان نماذج من الاستجابة للدعاء، ومن نظر في كتب السير والتفاسير، وقف على شدة البلاء الذي أصاب الأنبياء، وعلم أن الاستجابة جاءت بعد إلحاح ودعاء، واستغاثة ونداء.
إنها آيات بينات، وبراهين واضحات، تقول بل وتعلن: أن من توكل واعتمد على الله وأحسن الصلة بمولاه، استجاب الله دعاه وحفظه ورعاه، فإن لم يكن ذلك في الدنيا، كان في الآخرة، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص:٦٠] .
إنها صفحات من الابتلاء والصبر، معروضة للبشرية لتسجل: أن لا اعتماد إلا على الله، وأن لا فارج للهمِّ ولا كاشف للبلوى إلا الله.