[أدلة خطر اللسان من السنة]
ولتزدد بينةً في خطر هذا اللسان الذي بين لحييك، فاسمع لهذه الأحاديث باختصار: فعن بلال بن الحارث المزني رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة) والعياذ بالله، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
وكان علقمة يقول: [كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث] أي: هذا الحديث.
اسمع لحرصهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم: [كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث] كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.
فأين أنت يا علقمة من أولئك الذين يلقون الكلمات على عواهنها فلا يحسبون لها حساباً؟! كم نلقي أيها الأحبة! وكم نلقي أيتها المسلمة! من الكلمات نظن أنها ذهبت أدراج الرياح، وهي عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى؟ احسب لهذا الأمر حسابه، حتى تعلم أن كل كلمة مسجلة عليك أيها الأخ الحبيب!.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها؛ يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وفي رواية لـ مسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) .
أسألك العفو يا إلهي! إن شغلنا الشاغل اليوم في مجالسنا أيها الأحبة! هو بث الكلمات ونشر الشائعات، وكم من كلمة قصمت ظهر صاحبها وهو لا يعلم، ولا شك أن فساد المجالس اليوم بسبب قلة العلم والاطلاع، إذ لو وجد هذا العلم لاستغلت المجالس أحسن استغلال، ولسمعت النكت العلمية، والفوائد الشرعية والمسائل الفقهية، بدلاً عن القيل والقال والغرائب والعجائب؛ ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى اليوم بين كثير من الناس، إسهال فكري، وإسهال كلامي أصاب كثيراً من مجالس المسلمين اليوم.
إنك تجلس المجالس الكثيرة، بل ربما لم يمر عليك يوم من الأيام ولا ليلة من الليالي إلا وجلست مجلساً، فبماذا خرجت من هذه المجالس؟ ما هي النتيجة وما هي الثمرة من هذه المجالس التي جلستها أيها الأخ الحبيب؟! لا شك أن هذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى في صفوف المسلمين اليوم، وقلة البركة حيث أصبح العلم مصدر رزق لكثير من الناس، ولذلك تجد في المجلس الواحد عشرات من المدرسين والمتعلمين، ومع ذلك يذهب المجلس هباءً بدون فائدة، بل ربما ذهب -والعياذ بالله- بالآثام وجمع السيئات.
وفي حديث معاذ الطويل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال معاذ: قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه ثم قال: كف عليك هذا، قال: قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! -بعض الناس قد يجهل أنه سيؤاخذ بكل كلمة تكلمها كانت خيراً أو شراً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!) والحديث أخرجه الترمذي في سننه، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
وفي آخر حديث سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، قال في آخره: قلت: (يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ثم يوجه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته تلك القاعدة الشرعية، والمعيار الدقيق، ولمن اختلطت عليه الأوراق، وليقطع الشك باليقين وليسلم من الحيرة والتردد، فيقول كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
هذه قاعدة شرعية، تربوية، منهجية، نبوية، ميزان ومعيار دقيق لك أيها المسلم! ولك أيتها المسلمة! يوم أن تجلس مجلساً (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) انظر للتربية ولربط هذه القلوب باليوم الآخر (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ولأن النفوس اليوم غفلت عن اليوم الآخر، وتعلقت بالدنيا وشهواتها ولذاتها، غفلت عن هذه القاعدة الشرعية النبوية، ونسيت الحساب والعذاب باليوم الآخر، ونسيت الجنة والنار أو غفلت عنها، وبالتالي انطلق اللسان يفري في لحوم العباد فرياً بدون ضوابط، وبدون خوف ولا وجل.
لماذا هذه القاعدة؟ لأنه لا يصح أبداً أن يؤذي المسلم إخوانه بلسانه، ولأن المسلم الصادق والمحب الناصح هو (من سلم المسلمون من لسانه ويده) كما في حديث أبي موسى الأشعري المتفق عليه، والأحاديث في الباب كثيرة مستفيضة، وكم نحن بحاجة إلى من يردد هذه الأحاديث على مسامع الناس.
كم نحن بحاجة أيها الأخيار! يا طلبة العلم! أيها الصالحون! كم نحن بحاجة يا أيتها الصالحات! يا أيتها الخائفات القانتات العابدات الساجدات! كم نحن بحاجة إلى من يردد على المسلمين والمسلمات أمثال هذه الأحاديث ليتذكروها وليعوها، وليفهموها جيداً، حتى تتذكر النفس كلما أراد اللسان أن ينطلق في كلمة يحسب لها حسابها، قبل أن يخرج لسانه بهذه الكلمات؟ واسمع لرواة هذه الأحاديث من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، يوم أن سمعوها علماً وعملاً، وامتثالاً للمصادر الشرعية الكتاب والسنة، وإليك الأدلة من حياتهم العملية رضوان الله تعالى عليهم.