للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعظيم السلف الصالح لسنة النبي صلى الله عليه وسلم]

اسمعوا أيها الإخوة والأخوات! كيف كان تعظيمهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحترامها والأخذ بها والعمل بمقتضاها.

فهذا أبو بكر الصديق أفضل هذه الأمة بعد نبيها يقول: [لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ] .

قال ابن بطة: هذا يا إخواني الصديق يتخوف على نفسه من الزيغ، إن هو خالف شيئاً من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وأوامره، ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟ هذا في زمانه، في زمان ابن بطة، فماذا نقول نحن أيضاً في زماننا والله المستعان! نسأل الله عصمةً من الزلل ونجاةً من سوء العمل.

لقد استلم عمر الحجر الأسود وقال: [والله إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك] كما في صحيح مسلم.

وقال علي بن أبي طالب: [لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخفين أحق بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما] .

وحدث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم، فقال ابنه بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله، وقال: أخبرك عن رسول الله وتقول: والله لنمنعهن) .

ورأى عبد الله بن مغفل رضي الله عنه رجلاً يخذف بالحصى فنهاه وقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: إنه لا يرد الصيد ولا ينكأ العدو، ولكنه يكسر السن ويفقأ العين، فرآه بعد ذلك يخذف، فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تخذف؟ والله لا أكلمك أبداً) كما في الصحيحين.

وحدث ابن سيرين رجلاً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: [قال فلان كذا، -يعني: كأنه معترض عن الحديث بقول فلان- فقال ابن سيرين: أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول قال: فلان وفلان كذا وكذا! والله لا أكلمك أبداً] .

وقال أبو حنيفة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ولا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه.

وقال مالك: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.

وقال أيضاً: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.

وقال الشافعي: كل ما قلت وكان قول رسول صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ولا تقلدوني.

وروى أبو نُعيم في الحلية عن الشافعي رحمه الله: أنه أتاه رجل فسأله عن مسألة فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، فقال الرجل للشافعي: ما تقول أنت؟ فقال الشافعي رحمه الله: سبحان الله! أتراني في كنيسة؟ تراني في بيعة؟ تراني على وسطي زناراً؟ أقول: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وأنت تقول لي: ما تقول أنت؟.

وقال أحمد بن حنبل: لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذوا من حيث أخذوا.

وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول.

وقال أيضاً: إذا بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فإياك أن تقول بغيره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبلغاً عن الله تعالى.

معاشر الإخوة والأخوات! إذاً فاعلموا أن المتابعة هي الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاعتقادات، والأقوال، والأفعال، والتروك، بعمل مثل عمله على الوجه الذي عمله النبي صلى الله عليه وسلم، من إيجاب أو ندب أو إباحة أو كراهة مع توفر القصد والإرادة في ذلك، إذ المراد باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعه في كل ما جاء به من أوامر ونواه في القرآن والسنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) .

قال عطاء: [طاعة الرسول: اتباع الكتاب والسنة، وضد الاتباع المخالفة أو الابتداع] .

وكم هم أولئك الذين اليوم يخالفون سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويبتدعون.

<<  <  ج: ص:  >  >>