[إطلاق العنان للسان بالتحليل والتحريم والسخرية]
من أعظم الصور في مجالسنا ومن أخطرها على كثير من الناس: إطلاق العنان للسان بالتحليل والتحريم والسخرية والاستهزاء بالدين.
هذه من أخطر الصور التي نرى أنها تفشت اليوم في مجالس المسلمين أياً كانوا، رجالاً أو نساءً، كباراً أو صغاراً، وخاصةً بين الشباب وبين العوام، قضية التحليل والتحريم، والسخرية والاستهزاء بالدين، ولذلك إنك تسمع وترى تسرَّعَ فئاتٍ من الناس في إطلاق ألفاظ التحريم والتحليل، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك، ونهى عن المسارعة في إصدار التحليل والتحريم فقال: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:١١٦] .
وكان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع سعة علمهم وفقههم، لا يكثرون من إطلاق عبارات التحليل والتحريم، وهذا من شدة ورعهم ومحاسبتهم لأنفسهم.
يقول الإمام مالك رحمة الله تعالى عليه: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحداً أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك وإنما كانوا يقولون: نكره هذا، ونرى هذا حسناً، ونتقي هذا، ولا نرى هذا، ولا يقولون: هذا حلال ولا حرام) .
انتهى كلامه من جامع بيان العلم وفضله.
أما نحن فنسمع عبارات التحليل والتحريم على كل لسان، وخاصةً من العامة بدون علم ولا ورع ولا دليل، مما أثار البلبلة عند الناس والتقول على الله بغير علم.
بل والمصيبة أن بعض الناس يسخر ببعض أحكام الدين، ويهزأ بالصالحين والناصحين، ربما سخر باللحية أو سخر بالثوب القصير، أو سخر ببعض سنن المرسلين -والعياذ بالله- وهؤلاء والله إنهم لعلى خطر عظيم.
ألم يسمع أمثال هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) ؟ ألم يسمع هؤلاء قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:١] ؟ الهمزة: الطعان في الناس، واللمزة: الذي يأكل لحوم الناس.
ألم يسمع هؤلاء قول الحق عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات:١١] ؟ ألم يسمع هؤلاء لقول الحق عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] ؟ سبحان الله! غابت عليهم هذه النصوص من القرآن والسنة، غفلوا عن خطر ما يتقولونه في الليل والنهار، في السخرية والاستهزاء بالدين، ربما خرج بعضهم -والعياذ بالله- من الدين بسبب كلمة يقولها وهو لا يشعر.
فحق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه، حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه.