[مدخل إلى مواسم الطاعات]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فهذه ليلة الأربعاء الموافق للخامس من الشهر الحادي عشر للعام (١٤١٥هـ) وفي هذا المكان الطيب المبارك في مدينة الرس، ومع هذا الموضوع الذي هو بعنوان: (أربعون وسيلة لاستغلال موسم الحج) وهذه وسائل وتوجيهات، وهي بعض الأفكار والاقتراحات حول استغلال موسم الحج، لم أراع فيها التقديم والتأخير، ولا الترتيب والتنظيم، اقتضاها الخاطر المكدود على عجره وبجره، والذهن المشغول على نقصه وتقصيره، والقلب بكل واد منه شعبة، والهمة قد تفرقت شذر مذر، لكن حسبي أنها من أخ ناصح غيور، دفعه حبه ونصحه للأمة، فأرجو قبولها على ما فيها من النقص والتقصير، فهي بحاجة لاشك لكثير من المزيد والتطوير، فإذا تقاربت الآراء، وتلاقحت الأفكار، منضبطة بالكتاب والسنة، مشروطة بالإخلاص، مؤديةً للغرض المطلوب منها، عندها تكون الوسيلة صحيحة شرعية إن شاء الله.
أيها الأخ الحبيب! ويا أيتها الأخت المسلمة! كم هو جميل أن تكمل هذه الوسائل والتوجيهات، وهذه الأفكار والاقتراحات برأيك الصائب، وبنظرك الثاقب، فإن وجدت فيها خللاً سددته، وإن وجدت فيها نقصاً جبرته، وإن كان هناك مزيد من الوسائل والتوجيهات فأرجو ألا تبخل بها عليّ ولا على إخوانك، فإن الدال على الخير كفاعله.
وقبل البداية، وكلي أمل أيها المحب! أن تنظر لهذه الكلمات بعين الرضا:
فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
وأسأل الله أن يغفر لي الخطأ والزلل، وأن يعفو عن النقص والتقصير، وأن يعينك على سماعها والعمل بها، فإن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
فأقول مستعيناً بالله، مستلهماً منه الصواب والتوفيق، راجياً منه القبول والعون؛ أقول: قبل أن أبدأ بهذه الوسائل فإني أقدم بمدخل أسأل الله عز وجل أن يجد منفذاً للقلب: فأقول أيها المحب! إنني في حيرة من أمرك! وأعجب من شأنك! وأتألم لحالك! فأنت صالح إن شاء الله، وأنت مستقيم على طاعة الله، وتحمل بين جنبيك لا إله إلا الله، فأنت تعرف أنك على حق، وتعرف أنك صاحب مبدأ، وتعلم أنك خلقت لهدف، ولحمل هذا الحق وتبليغه لكل إنسان، ومع ذلك كله فإني أراك تركن إلى الخمول والكسل، وتتعلق بالدنيا وكأنك مخلد فيها.
فأين العمل؟! وأين الهمة العالية؟! وأين الهمّ للمبدأ؟! لماذا هذه السلبية المقيتة؟! ولماذا هذا الجمود الذي نراه على كثير من إخواننا وأخواتنا؟! كل أهل المبادئ تحركوا وعملوا وضحوا لكل شيء وبكل شيء وهم على باطل، وأنت صاحب الحق، فإن تعش تعش عزيزاً، وإن تمت تمت شهيداً، فالله معك، والجنة موعدك، فلماذا إذن التردد؟! ولماذا هذا الهوان؟! ولماذا تضيع المناسبات ونخسر المواسم بدون استغلال يناسب هذه المناسبات؟! فموسم الحج مؤتمر إسلامي من أعظم المناسبات التي تمر على الأمة الإسلامية، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧] .
إذاً: فهذا الموسم يأتي الناس إليه منذ أذن فيهم إبراهيم عليه السلام بالحج، يفدون إلى بيت الله الحرام في كل عام من أصقاع الأرض كلها، وأرجاء المعمورة جميعها، مختلفة ألسنتهم، متباينة بلدانهم، متمايزة ألوانهم، يفدون إليه وأفئدتهم تتلهف إلى رؤيته والطواف به الغني القادر والفقير المعدم، ومئات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة، لماذا؟ تلبيةً لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم عليه السلام منذ سنين عديدة.
إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني زي الحج الموحد، ويصبحون جميعاً بمظهر واحد، لا يُميَّز شرقيهم عن غربيهم، ولا عربيهم عن أعجميهم، كل لباسهم واحد، وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) وتراهم وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وخلفوا وراءهم كل الشعارات القومية، ونكسوا كل الرايات العصبية، ورفعوا رايةً واحدةً هي راية (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) يطوفون حول بيت واحد، مختلطة أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، ويؤدون نسكاً واحداً.
فأقول: فمهما اختلفت اللغات، ومهما تعددت الجهات، ومهما تنوعت الجنسيات، فديننا واحد، وربنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، إذن فنحن أمة واحدة رغم أنف الأعداء، ورغم كل من حاول تشتيت هذه الأمة، فما أحلى استغلال هذه المناسبة لتوحيد كلمة المسلمين! وما أحلى استغلال المناسبة لجمع القلوب وتصفيتها! وما أحلى توجيه الحجاج لهذه المعاني الجميلة! وتكرارها عليهم، وإحياء مثل هذه المفاهيم في نفس كل مسلم ومسلمة لتتقارب هذه القلوب، وتتحابَّ هذه النفوس، وحتى تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، فيسرك ما يسره، ويفرحك ما يفرحه، وإذا اشتكى أخ لك أو تألمت مسلمة، أحزنك ما أحزنها وساءك ما أساءها.
هنا وبمثل هذه المفاهيم، وإذا اجتمعت القلوب على مثل هذه المبادئ، هنا يتحرك الجميع للعمل، وينطلق الجميع للميدان، ونضع اليد باليد، والكف بالكف، ونرص الصف إلى الصف {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:١٠] {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] (والدال على الخير كفاعله) (ومن سن في الإسلام سنةً حسنةً، كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) هنا أستطيع أن أرسم مبدأ يعيش كل مسلم لأجله.