[محرومون من لذة الصلاة]
إن من المحرومين من قال الله عنهم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:٥٩] فأي حرمان بعد إضاعة الصلاة؟ أقسم لي شاب: إنه لم يسجد لله سجدة إلا مجاملة أو حياء.
فأقول: أيها المحروم! إنه الكفر والضلال: (إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) كما عند الترمذي والنسائي وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) كما عند مسلم في صحيحه.
مسكين أنت أيها المحروم! يوم أن قطعت الصلة بينك وبين الله، إنها مفتاح الكنز الذي يفيض سعادة وطمأنينة، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود، إنها زاد الطريق، ومدد الروح، وجلاء القلوب، إن ركعتين بوضوء وخشوع وخضوع كفيلتان أن تنهي كل هذا الهم والغم والكدر والإحباط.
إن من أسباب سعادة المؤمنين ما أخبر الله عنه بقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:١٠٩] .
وقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:٩] .
من أجمل لحظات الدنيا وأسعدها يوم أن يسجد العبد لمولاه؛ يدعوه ويناجيه يخافه ويخشاه قيام وسجود، وبكاء وخشوع، فيتنور القلب، وينشرح الصدر، وتشرق الوجوه، قال عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:٢٩] .
أما المحروم فظلام القلب، وسواد الوجه، وقلق في النفس، هذا في الدنيا، وفي الآخرة يقول الله عنهم: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:٤٢-٤٣] حرموا من السجود في الآخرة؛ لأنهم كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا فيتشاغلون ويتكبرون ويسخرون، أي فلاح وأي رجاء وأي عيش لمن انقطعت صلته بالله، أو قطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غنى له عنه طرفة عين؟! فلا تعلم نفس ما في هذا الانقطاع من أنواع الآلام والعذاب.
مسكين أيها المحروم! كيف تريد التوفيق والفلاح، والسعادة والنجاح، وأنت لا تصلي، قد قطعت الصلة ما بينك وبين الله؟! اسمع لقول الله عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥] واسمع لقول الحق عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١-٢] سجود المحراب، واستغفار الأسحار، ودموع المناجاة سيماء يحتكرها المؤمنون، ولئن توهم المحروم جناته في الدينار والنساء والقصر المنيف، فإن جنة المؤمن في محرابه.
إن من المحرومين من إذا ذُكِّر بالصلاة سخر واستهزأ، وفي هؤلاء يقول الحق عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة:٥٨] ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:٢٩] أي: في الدنيا {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:٣٠] ولكن السعيد من يضحك في النهاية، ولذلك قال الله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:٣٤] .
إن المتهاون بالصلاة حرم خيراً كثيراً، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأُبي بن خلف) والحديث أخرجه أحمد والدارمي وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات، وقال المنذري: إسناده جيد، قلت: فيه رجل لم يوثقه إلا ابن حبان.
أيها المحروم! حرمت نفسك أجمل لحظات الدنيا؛ لحظات السجود وتمريغ الجبين للرب المعبود، حرمت نفسك أعظم اللذات، لذة المناجاة، لذة التذلل والخضوع، إنك تملك أغلى شيء في هذا الوجود، تملك كنزاً من كنوز الدنيا! الصلوات الخمس، الثلث الأخير من الليل، ساعات الاستجابة اسأل المصلين الصادقين، اسألهم ماذا وجدوا، اسألهم ولا تتردد، سيجيبونك بنفوس مطمئنة راضية ذاقت حلاوة الدنيا وأجمل ما فيها، سيقولون: أكثر الناس هموماً وغموماً وكدراً المتهاونون المضيعون للصلاة.