[أسباب خسارة رمضان عند المرأة]
أولاً: عشرون سبباً أخاطب فيها المرأة وربما شاركها الرجل في بعضها.
وأول هذه الأسباب لخسارة رمضان: ١/ الغفلة عن النية، وعدم احتساب الأجر، وأنك تركت الطعام والشراب، وابتعدت عن المعاصي، والشهوات لله وحده؛ طلباً لرضاه، واستجابةً لأمره، لا يهمك ولا يهمكِ أحد من الناس علم أو لم يعلم، فصومكِ وصومك لله، وخوفكِ وخوفك لله، ولهذه المعاني الجميلة قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) كما في حديث أبي هريرة وهو متفق عليه.
إذاً: فالصيام عبادة خفية بينكِ وبين الله لا يعلم بها إلا الله؛ فقد تشربين وتأكلين كيفما شئت لا يعلم بكِ أو بكَ أحد من الناس، ولكن: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:٧٤] فمن صام بهذه المعاني وجد حلاوة الصيام، وشعر بلذة رمضان، فأقدم على الأعمال أيما إقدام (ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه) .
٢/ ومن الأسباب: إهمال الصلوات الخمس، وتأخيرها عن وقتها، وأداؤها بكسل وخمول، وهذا من أعظم أسباب خسارة رمضان عند الرجال والنساء، فمن لم يحرص على الفرائض ولم يقم بالواجبات فكيف يرجى منه النوافل؟ بل كيف يرجى منه استغلال رمضان؟ ربما صلت المرأة في آخر وقت الصلاة فنقرتها نقر الغراب، فكيف يرجى لمن كان هذا حالها استغلال رمضان والفوز فيه! بل هذه يخشى على صيامها ألا يقبل والعياذ بالله.
٣/ ومن الأسباب: السهر، فهو من أعظم أسباب خسارة رمضان! وكيف يرجى لمن سهرت طوال ليلها أن تفوز برمضان؟ والسهر -أيها الأحبة- مكروه حتى وإن كان على مباح، فكيف بمن سهرت على حرام؟ أكثر النساء يجلسن طوال الليل للسمر مع الأخوات والقريبات، وتذهب الساعات بالقيل والقال، وربما جلسن حتى وقت السحر خمس ساعات أو أكثر، ليس فيها قراءة للقرآن، أو موضوع لفقه أحكام الصيام، أو استماع لشريط مفيد، أو قراءة من كتاب، فأسألك بالله أليست خسارةً أن تضيع هذه الساعات الطوال من رمضان في كل ليلة بمثل هذه الجلسات؟! أيتها الأخت المباركة! اعلمي أن العين تصوم، وصيامها غضها عن المحارم، ومشاهدة الفواحش والآثام {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:٣١] وكم من نظرة كانت سبباً لجريمة وكانت سبباً لشقاء أسرة، فاتقي الله! في ليالي رمضان واعلمي أن الله معك يراك في كل حال.
٤/ كثرة النوم والخمول والكسل: وهو حصيلة أكيدة لسهر الليل، ولو نامت بالليل ساعات؛ لجلست بعد صلاة الفجر في مصلاها تذكر الله وتقرأ القرآن، ولأصبحت نهارها طيبة النفس نشيطةً.
٥/ ومن الأسباب لخسارة رمضان: ضياع الوقت في التفنن في المأكولات عند المرأة، والمرأة مأجورة مشكورة ولا شك لقيامها على الصائمين وإعداد طعامهم، وهذا فضل عظيم لها تختص به دون الرجال، ولكن يمكنها اختصار الوقت في مطبخها بدون إسراف ولا تبذير، ثم وأنت تعملين يا أمة الله! عليك بكثرة ذكر الله، وبالتسبيح والتحميد، قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:٣٥] .
وقال صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات) كما في صحيح مسلم.
قال ابن القيم: وفي ذكر الله أكثر من مائة فائدة: يرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويزيل الهمّ، ويجلب الرزق، ويكسب المهابة والحلاوة، ويورث محبة الله إلى قوله: ويحط الخطايا، ويرفع الدرجات إلى آخر كلامه.
وأما كثرة الأكل في رمضان وما فيه من خسارة فحدث ولا حرج.
قال الثوري: إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك؛ فأقلل من الأكل.
وقيل لـ أحمد بن حنبل: هل يجد الرجل من قلبه رقةً وهو شبع؟ فأجاب: ما أرى.
وقال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورق، وإن كثرة الطعام لتغل صاحبها عن كثير مما يريد.
وصدق رحمه الله.
٦/ من الأسباب: سماع الغناء: فالأذن تصوم وصيامها عن سماع الفواحش والحرام، وإني لأعجب والله كيف ينتشر الغناء في كثير من بيوت المسلمين، وخاصةً خلال هذا الشهر، شهر القرآن؟!! ثم هل يعقل أن يجتمع في بيت واحد صوت الرحمن وصوت الشيطان؟! وإن اجتمعا، فكيف حال القلب؟ وهل سيتأثر بهذا أو بذاك؟ ولكِ أن تتصوري أيتها المسلمة! الهموم والقلق كيف تمزق القلب وتشتته؛ فهو تارةً يستجيب لنداء الفطرة، لنداء الرحمن وحلاوته، وتارةً يطرب ويسكر للأوتار ومزامير الشيطان، فأي ضياع وأي خسران لسامعة الغناء؟! فكيف حالها في رمضان؟ وكيف تتلذذ بسماع القرآن وهي تسمع قرآن الشيطان ومنبت النفاق في القلب ورقية الزنا؟
أسماؤه دلت على أوصافه تباً لذي الأسماء والأوصاف
قال ابن القيم رحمه الله: فمن خواصه -أي الغناء- أنه يلهي القلب، ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد إلى أن قال: وهو جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى محل التخيل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة إلى آخر ما قال.
برئنا إلى الله من معشر بهم مرض من سماع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على شفا جرف ما به من بنا
شفا جرف تحته هوة إلى درك كم به من عنا
وتكرار ذا النصح منا لهم لنعذر فيهم إلى ربنا
فلما استهانوا بتنبيهنا رجعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى وماتوا على تنتنا تنتنا
٧/ ومن الأسباب وهو مثل الغناء: مشاهدة التلفاز والأفلام والدشوش، وسهر ليالي رمضان عليها، وصدق الله يوم قال: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:٣٦] فكيف برمضان وأيامه ولياليه؟ ٨/ ومن الأسباب: قراءة المجلات والروايات والجرائد وما شابهها، أفلا نحرص على ترك هذه الفتن وهذه الوسائل على الأقل ولو في رمضان؟! تعالوا واسمعوا لحال السلف، إنهم يتركون طلب الحديث وطلب العلم في رمضان؛ من أجل التفرغ لقراءة القرآن، وليس ترك الجرائد والروايات، ومشاهدة المسلسلات والأفلام.
كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها، وكان الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان؛ ترك قراءة الحديث، ومجالس العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة.
وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال، وفي العشر الأواخر في كل ليلتين.
وكان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر؛ فاقتدوا رحمكم الله بهؤلاء الأخيار، واتبعوا طريقهم تلحقوا بالبررة الأطهار.
٩/ ومن الأسباب: التسويف، وقد قطع هذا المرض أعمارنا، حتى في أفضل الأيام والشهور، حتى ونحن نعلم أننا قد لا ندرك رمضان الآخر، حتى ونحن نعلم أن رمضان شهر المغفرة والتوبة، حتى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر -بثلاث وثمانين سنة وتزيد- لم تسلم من التسويف، فلا حول ولا قوة إلا بالله! ومثال التسويف في رمضان -مثلاً- قراءة القرآن، تريد المرأة أن تقرأه بعد صلاة الفجر؛ ولكنها متعبة من السهر، ثم بعد الظهر؛ ولكنها مرهقة، ثم بعد العصر؛ ولكنها في المطبخ منشغلة، وربما في الليل؛ ولكنها مع القريبات والجلسات ملتزمة، وهكذا فيخرج رمضان ولم تستطع أن تختمه ولو لمرة واحدة؛ فمسكينة تلك المرأة.
أرأيت كيف يكون التسويف من أعظم أسباب خسارة رمضان؟ إنه لمن الخسارة والحرمان أن تمر هذه الليالي المباركة على الإنسان وهو يسرح ويمرح.
قل للذي ألف الذنوب وأجرما وغدا على زلاته متندما
لا تيأسن واطلب كريماً دائماً يولي الجميل تفضلاً وتكرما
يا معشر العاصين جود واسع عند الإله لمن يتوب ويندما
يا أيها العبد المسيء إلى متى تفني زماناً في عسى ولربما
بادر إلى مولاك يا من عمره قد ضاع في عصيانه وتصرما
١٠/ ومن الأسباب -أيضاً-: الخروج للأسواق: وهو ضياع لليالي رمضان الفاضلة، وفيه فتن عظيمة لا يعلم مداها إلا الله، وقد تضيع فيه الحسنات التي جمعتها تلك المرأة في رمضان من صلاة وقيام، وصدقة وقراءة للقرآن بخروجها للأسواق، فهي خراجة ولاجة، يستشرفها الشيطان؛ فخسرت رمضان وعرضت نفسها للعنة الرحمن.
١١/ ومن الأسباب: التبرج والسفور، فالمرأة تدخل وتخرج لوظيفتها، وتخرج للسوق لحاجة، وتذهب لأداء العمرة، فهي في طريقها للحرم وربما نزلت لأسواق مكة، فانظر للباسها؛ فالعباءة ناعمة رقيقة، والثوب ملون، والنقاب ساحر، والعينان كحيلتان، والروائح زكية.
فما رأيكم بقبول صيامها؟ بل ما رأيكم بقبول عمرتها وصدقتها وعبادتها؟ وهل هذه رابحة في رمضان أم خاسرة؟ فيا أمة الله! احرصي على الستر والعفاف، فالشيطان حريص، وشياطين الإنس كثيرون، واعلمي أن الله معك يراك.
١٢/ ومن الأسباب: الهاتف، نعم.
فقد يكون الهاتف سبباً لخسارة رمضان لدى بعض الأخوات؛ إذ تقضي الأخت الصائمة وقتاً طويلاً في مكالماتها، لا لأجل تهنئة أخواتها بدخول شهر رمضان، أو لأجل مناقشة في مسائل فقهية في رمضان؛ وإنما للسؤال عن أنواع الأكلات، وأنواع الموديلات، وكيف يقضين ليلهن، وربما تعرضن لف