للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لماذا أفتش عن إنسان؟!]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا هو الدرس الواحد والأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، والتي ينظمها المكتب التعاوني بمدينة الرس، وينعقد في هذه الليلة المباركة، ليلة الثلاثاء الموافق ٧ من شهر ذي القعدة للعام (١٤١٦هـ) ، وعنوان هذا الدرس: واجبنا تجاه المسلمين، أو إن شئت فقل أفتش عن إنسان.

لماذا أفتش عن إنسان، ذلك ما قاله الفيلسوف اليوناني ديوجين حينما سئل: ما يصنع بمصباحه؟ وكان يدور به في بياض النهار، فقال: أفتش عن إنسان! لماذا هذا الموضوع؟ أولاً: عندما يسمع المسلمون بالمصائب والمحن التي تقع على المسلمين يتساءل الكثير منهم: ما دورنا؟ نسمع هذه الكلمة كثيرا: ما دورنا؟ وهذا الطرح محاولة للإجابة عن هذا السؤال.

ثانياً: لحال المسلمين في كل مكان، وما يلاقونه من ذل وهوان، وضياع وفرقة، وقتل وتشريد وجوع وتنصير، وما نعيشه نحن من ترف وإسراف وبذخ وتبذير، فهل يصح شرعا أو عرفاً، بل في كل المعايير الإنسانية من شفقة ورحمة وإحسان ورأفة أن يموت أناس بالتخمة والبطنة، وآخرون بالجوع؟! لا والله!! ثالثاً: الإعذار إلى الله: ونحن نسمع عن أنهار الدماء وأكوام الأشلاء ونحن نسمع صرخات العذارى وأنين الثكالى الإعذار إلى الله ونحن نرى دموع الأرامل وعيون اليتامى، ولن نعذر -والله! - إلا بالقيام بواجبنا، ومن واجب طلاب العلم، التوجيه والبلاغ بقدر المستطاع.

رابعاً: كان هذا الطرح دلالة وتوجيها؛ ليقوم كل منا بواجبه تجاه المسلمين، فيتحرك القادرون ويهتم الموسرون؛ لنساعد المعنيين، ونضع أيدينا بأيدي المسئولين، فإن أرض هذه الجزيرة قد أنعم الله عليها نعماً لا تحصى -والحمد لله- ومن كثرت نعم الله عليه كثر تعلق الناس به، فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها، وإن قصَّر وملَّ وتبرم فقد عرضها للزوال، فقد أخرج الطبراني في الأوسط وابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم) .

والحديث حسن بمجموع طرقه، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ: (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة، فأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه فتبرّم، فقد عرّض تلك النعمة للزوال) .

قال المنذري وتبعه الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد.

أيها القارئ الكريم! فلنقم بنعمة الله علينا، ولنحذر من التبرّم والملل والتقصير، لذا حري بنا أن نحرص على هذه التوجيهات، وأن نُسمِعها كل الفئات؛ ليعمل الجميع من أجل رضا الله، وبالطاعة تدوم النعم، نسأل الله أن يحفظها علينا وعلى بلادنا وسائر بلاد المسلمين.

إن المواساة والرحمة والإحسان منبعها قلب الإنسان؛ ولذلك قلت: أفتش عن إنسان! فمن لي بقلب هذا الإنسان؟ فعنه أفتش، وعنه يفتش ملايين المستضعفين.

وقبل أن أبدأ بما أريد، اسمع ما قاله ابن رجب رحمه الله عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قدوتنا وحبيبنا ومرشدنا، بأبي هو وأمي عليه أفضل الصلاة والتسليم، قال ابن رجب: وكان جوده بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل صلى الله عليه وسلم على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ، ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه: [والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق] ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافا كثيرة.

انتهى كلامه رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>