[تهنئة لمن فاز وعزاء لمن خسر]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه ليلة الإثنين الموافق للثامن والعشرين من الشهر التاسع شهر رمضان المبارك للعام (١٤١٥هـ) ، وفي هذا المكان الطيب المبارك في مدينة الرس، نلتقي بهذه الوجوه في هذا المجلس، وعنوان هذا الموضوع: (الفائزون في رمضان) .
يومٌ أو يومان ثم تعلن النتائج، وتوزع الجوائز، فيفرح الفائزون برمضان، سبق قومٌ ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، بعد غدٍ يفوز المحسنون، ويخسر المبطلون.
غداً توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
من هذا الفائز منا فنهنيه؟ ومن هذا الخاسر فنعزيه؟ أيها الفائز برمضان! هنيئاً لك، أيها الخاسر! جبر الله مصيبتك، بعد غدٍ تعلن أسماء الفائزين برمضان في مصليات الأعياد، يوم رجعوا إلى بيوتهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان.
ولعلكم أيها الأخيار! تتساءلون عن هؤلاء الفائزين برمضان، من هم؟ وما صفاتهم؟ وما أعمالهم؟ تعالوا لنحلق اليوم وإياكم إلى عالم الفائزين برمضان، إلى عالم الحب والإخاء، عالم المجتهدين والمتهجدين والمستغفرين، عالم الرقة والخشوع، والذلة والخضوع، عالم الحرص والاستزادة، والتمرغ في أنواع العبادة.
كأني بك تقول: هذه صفاتٌ عرفناها في سلفنا الصالح، فنعم العالم عالمهم، ونعم الصفات صفاتهم، فأقول: إي والله فأنا معك؛ ولكن عالمنا اليوم هم فئةٌ من أهل زماننا، وأحباءٌ لنا، فبهم تفرح قلوبنا، وبالنظر إلى وجوههم تكتحل عيوننا، وبمجالستهم تأنس نفوسنا، وبالحديث معهم تحلو ساعاتنا، إنهم من آبائنا وإخواننا، وهم من أمهاتنا وأخواتنا، إنهم التالون لكتاب الله، الراكعون الساجدون، المتأثرون الباكون، المتصدقون المنفقون، المتحدثون الناصحون، العاملون المخلصون، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:٢٦] .
من قال أيها الأحبة: إن أعمال الخير والبر وقفٌ على السلف فقط؟ من قال: إن الرقة والبكاء حكرٌ على بشر الحافي، ومالك بن دينار، ورابعة العدوية رحمة الله عليهم أجمعين؟ من قال: إن المتصدقين هم فقط أبو بكر وعمر، وعائشة وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين؟ انظروا لبيوت الله! هذه الأيام صلاةٌ وقيام، وركوعٌ وسجود وإطعامٌ للطعام، وبذلٌ وإحسان، وتذكيٌر بأطيب الكلام، وتدبرٌ وترتيلٌ، وأزيزٌ وخنين، عندها تذكرت قول النبي صلى الله عليه آله وسلم في ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطهارة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيلٌ غرٌ محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض -أي قائدهم- ألا ليذادن رجالٌ عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً، بعداً بعداً) .
اللهم اجعلنا من إخوان نبيك الذين ذكرهم في هذا الحديث، اللهم اجعلنا ممن يرد حوضه، ويشرب منها شربةً هنيةً لانظمأ بعدها أبداً.