[الحزن على انتهاء رمضان]
الصورة العاشرة والأخيرة: رأيته وسلمت عليه، وفجأةً أجهش بالبكاء، وفاضت عيناه بالدمع، أوجست في نفسي خيفة، قلت: ابتلي بموت قريب، أو حبيب له أصيب، فقال بصوت كئيب: جبر الله مصيبتك بخروج رمضان.
انكسر قلبه، وهطل دمعه، وانتحب صوته، فقلت: يا سبحان الله! لكل محب حبيب، ورمضان حبيب الصالحين.
يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق.
بين الجوانح في الأعماق سكناه فكيف أنسى ومن في الناس ينساه
في كل عام لنا لقيا محببة يهتز كل كياني حين ألقاه
بالعين والقلب بالآذان أرقبه وكيف لا وأنا بالروح أحياه
ألقاه شهراً ولكن في نهايته يمضي كطيف خيال قد لمحناه
في موسم الطهر في رمضان الخير تجمعنا محبة الله لا مال ولا جاه
من كل ذي خشية لله ذي ولع في الخير تعرفه دوماً بسيماه
قد قدروا موسم الخيرات فاستبقوا والاستباق هنا المحمود عقباه
صاموه قاموه إيماناً ومحتسباً أحيوه طوعاً وما في الخير إكراه
فالأذن سامعة والعين دامعة والروح خاشعة والقلب أواه
وكلهم بات بالقرآن مندمجاً كأنه الدم يسري في خلاياه
فوداعاً يا رمضان! وإلى أن نلقاك في عام قادم إن شاء الله، اللهم تقبل منا رمضان، واجعلنا من الفائزين برمضان.
هذه صورٌ ومواقف للفائزين برمضان، ولعلها تكفي لضيق الوقت، وخشية الإملال، وإنما هي على سبيل المثال، والحصر يصعب، وهي غيضٌ من فيض، فمحبو الخير كثر، وأبواب الخير كثيرة، ولكنها مشاهد ومواقف لبعض الصالحين والصالحات ذكرناها لأسباب سبقت.
فيا باغي الخير أقبل! فرمضان فرصةٌ قد لا تتكرر، وموسمٌ قد لا يعوض، فالبدار البدار قبل فجأة موت أو مصيبة مرض، وعندها لا ينفع الندم {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:٢١] .
أيها الأحبة! السعيد من أدرك رمضان فغُفر له {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٣-١٣٤] .