ربما قال البعض: لقد شببت على الشيء فلا أستطيع أن أغير أخلاقي، وهناك من يرى أن الأخلاق ثابتة في الإنسان لا تتغير، فهي غرائز فطر عليها، وطبائع جبل عليها، وهناك من يرى أنها تتغير فليس ذلك صعباً ولا مستحيلاً، والحق أن الأخلاق على نوعين: فمنها: ما هو غريزي فطري، ومنها: ما يكتسب بالممارسة والمجاهدة، ولو كانت الأخلاق لا تتغير؛ لبطلت الوصايا والمواعظ، ولما قال الله عز وجل:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى:١٤] وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:٩] ولما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه) .
ومن نظر إلى الحيوان وحاله قبل التدريب وبعده، أدرك أن الأخلاق عند الإنسان سهلة التغيير لمن رزق الهمة والعزيمة، وحمل نفسه على مكارم الأخلاق وفضائلها.
يقول ابن حزم رحمه الله متحدثاً عن تجربته مع نفسه: كانت فيَّ عيوب فلم أزل بالرياضة والاطلاع على مقالة الأنبياء صلوات الله عليهم، والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين في الأخلاق وآداب النفس، أعاني مداواتها حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنه، وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بالأمور هو الإقرار بها -أي: الإقرار بالعيوب- ليتعظ بذلك متعظ يوماً إن شاء الله.
ثم أخذ رحمه الله يعدد بعض العيوب في نفسه، لولا خشية الإطالة لذكرتها لعظيم الفائدة، من أرادها فلينظر في كتابه: الأخلاق والسير في مداواة النفوس.
قال: ومنها -أي: العيوب- حقد مفرط قدرت بعون الله تعالى على طيه وستره، وغلبته على إظهار جميع نتائجه، وأما قطعه ألبتة فلم أقدر عليه، وأعجزني أن أصادق من عاداني عداوة صحيحة أبداً.
انتهى كلامه رحمه الله.
ويقول أحد الإخوة: وقع في قلبي شيء عظيم على أحد إخواني لخير أعطاه الله إياه، فما زال الشيطان بي ونفسي الضعيفة، وكنت أهتم وأغتم وأكثر التفكير والخواطر خاصةً وأنني كنت متهيئاً لهذا الخير الذي آتاه الله أكثر منه.
يقول: فما زلت مع نفسي أدفع الخواطر والأفكار الرديئة تارةً، وأؤنبها وألومها تارة، وأذكرها بفضل سلامة الصدر وتمني الخير للآخرين، وأني أحب لهم ما أحب لنفسي تارةً أخرى، وتارةً أذكرها بخطر الحسد وأضراره، وما زلت أستعين بالله وأدعوه حتى انتصرت على نفسي واستطعت ترويضها، وما زلت مع نفسي بكثير من هذه المواقف، حتى وجدت أنها اعتادت على سلامة الصدر وحسن الظن بالآخرين وتمني الخير لهم، عندها شعرت بسعادة ولذة عجيبة، وأقبلت على شئوني وأعمالي بقلب سليم، وفتح الله عليّ بأمور كثيرة فتحاً عجيباً ولله الحمد والمنة، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
انتهى كلامه.
إذاً: فلا بد من رياضة النفس وتدريبها أيها الأحبة! وذلك بالمجاهدة والصبر وقوة الملاحظة والنظر في عواقب الأمور قبل الإقدام، وطلب النصح من الآخرين، ونحو ذلك مما يعين على تغيير الأخلاق والطبائع للأحسن، هداني الله وإياك لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.