[تحقيق معرفة الله عز وجل]
أولاً: تحقيق معرفة الله سبحانه وتعالى وهي من أعظم الآثار.
لكن قد يقول قائل كيف نعرفه؟ قال ابن القيم في الفوائد -وأنقله بتصرف-: ولهذه المعرفة بابان واسعان.
وانتبهوا لهذا؛ لأن الكثير من المسلمين اليوم لم يؤت لضعفه وفتوره وقلة آثار التوحيد في نفسه، إلا لقلة معرفته بالله حق المعرفة، يقول ابن القيم رحمه الله: ولهذه المعرفة بابان واسعان، الأول: التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها، والثاني: الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها، وكمالها وتفرده بذلك إلى آخر كلامه.
فمثلاً: أنت تعرف فلاناً وتحبه وتبغضه من خلال اسمه وصفاته وأفعاله، ولله المثل الأعلى.
فالفقه في معاني أسماء الله وصفاته، ومقتضياتها وآثارها، وما تدل عليه من الجلال والكمال، أقرب طريق لمعرفة الله، والإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا الواردة في كتابه العزيز، الثابتة عن رسوله الأمين من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تُمرَ كما جاءت بلا كيف، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة، هذا الغائب عند الكثير من المسلمين اليوم، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة، هذه عقيدةٌ لـ أهل السنة والجماعة، وكما قيل: من كان بالله أعرف كان لله أخوف.
فيا أيها المسلم الموحد! إنك لا تعبد مجهولاً، بل تعبد الواحد الأحد الذي تقرأ أسماءه وصفاته في كل حين في القرآن والسنة.
إن توحيد الأسماء والصفات الذي يردده بعض المدرسين على أبنائنا، وعلى المسلمين بدون فهم لحقيقة هذا التوحيد، لهو من أعظم الطرق لمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ فمعرفة الله من خلال أسمائه وصفاته هي نقطة البداية في حياة الإنسان، البداية الحقة في تحقيق التوحيد، فإذا وفق العبد لهذه المعرفة، فقد أوتي خيراً كثيراً، واهتدى إلى ربه، ووضع قدميه على الطريق الصحيح، فمن كان بالله وأسمائه وصفاته أعرف وفيه أرغب وأحب، وله أقرب، وجد من حلاوة الإيمان في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حب غيره، وكلما ازداد له حباً ازداد له عبودية وذلاً، وخضوعاً ورقاً.
فمثلاً: نقرأ في القرآن: أن الله سميع وبصير وعليم، فهل فكرت يا أخي الحبيب! في معانيها؟! وهل لها أثر في نفسك يوم أن قرأتها في كتاب الله؟ السميع:الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات، سميعٌ بما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات، يسمع سرها وعلنها، وكأنها لديه صوت واحد، لا تختلط عليه الأصوات ولا تختلف عليه جميع اللغات، القريب والبعيد، السر والعلانية عنده سواء سبحانه وتعالى، وأنت تقرأ القرآن وتتدبره بمثل هذه المعاني، يمتلئ القلب ثقة وخوفاً وإجلالاً لله تعالى.
البصير: الذي يبصر كل شيء وإن دق وصغر، ويبصر ما تحت الأراضين السبع كما يبصر ما فوق السماوات السبع، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة، وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، يرى سريان الماء في أغصان الأشجار وعروقها، وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها، يرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة، وأصغر من ذلك، فإذا علمت أنه يرى ذلك بهذه الصفة امتلأ قلبك إجلالاً وهيبةً من الله وتحقق في النفس مبدأ عظيم، مبدأ المراقبة لله سبحانه وتعالى.
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في صدرها والمخ في تلك العظام النحل
امنن عليّ بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الأول
وكذلك في جميع أسماء الله وصفاته: العزيز، الجبار، العليم، الخبير، القدير هكذا يكون لتوحيد الأسماء والصفات أثر عجيب في نفوسنا، نعم.
إن علمنا بالله ومعرفتنا به يصلنا بالله ويزكي نفوسنا، ويصلحها، وهذا هو الطريق الذي أضاعه كثير من المسلمين اليوم.
أيها المسلم! إن الله عز وجل يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] وأنا أسمعك تدعو الله، وتتوسل إليه بأسمائه وصفاته، لكن وأنت تردد هذه الأسماء والصفات هل تستشعر معانيها؟ هل تفهم مقاصدها؟ إنك إن فعلت هذا تزداد تعلقاً بالله وحباً وهيبةً وإجلالاً له، ولذلك أثرٌ كبير على القلب، بل والله له أثر كبير على استجابة الدعاء وقبوله، فلنعلم حقيقة توحيد الأسماء والصفات كيف يكون، ولنتعرف على الله عز وجل حق المعرفة من خلاله.