السبب الرابع: الزهد في الأجر وعدم الاحتساب، والغفلة عن أهمية الحسنة الواحدة، وهذا لا شك نتاج الغفلة عن الموت ونسيان الآخرة، وإلا فإن المؤمن مجزي على مثقال الذرة، إن المؤمن مجزي على مثقال الذرة، كما أنه محاسب عليها -أيضاً- {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه}[الزلزلة:٧-٨] إن قلب المؤمن والمؤمنة ذلك القلب الحي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر، وفي الأرض قلوب لا تتحرك من الذنوب والمعاصي.
لماذا نعمل؟ لنسأل أنفسنا، اسأل نفسك أيها الأخ الحبيب! واسألي نفسك أيتها الغالية! لنسأل أنفسنا جميعاً، لماذا نعمل؟ لماذا نتحرك؟ لماذا نحبس أنفسنا عن الشهوات مع أن الله عز وجل جبل هذه النفس على الشهوات وحبها، فلماذا إذاً نحرمها من الشهوات؟ لماذا نحرم أنفسنا من الجلسات؟ لماذا نجاهد أنفسنا؟ لماذا تبح أصواتنا؟ لماذا نصرف أموالنا؟ لماذا نغض أبصارنا؟ لماذا نحفظ أسماعنا عن سماع الحرام والغناء وغيره؟ لماذا نمسك اللسان عن الكلام؟ لماذا نطعم الطعام؟ ولماذا نكثر الخيرات، ونكثر السلام؟ لماذا نحرص على القيام والصيام؟ لماذا كل هذا؟! الإجابة واحدة، قول الحق عز وجل:{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}[الإنسان:١٠] .
يظن أصحاب الشهوات والمعاصي أنه ليس في أنفسنا توقاً ولا شوقاً إلى هذه الشهوات، بل والله إن في أنفس الصالحين شوقاً إلى كثير من الشهوات، أياً كانت هذه الشهوات: شهوة المال، أو شهوة الفرج، أو شهوة البطن أو غيرها من الشهوات؛ لكن ما الذي يردنا؟ وما الذي يمنعنا؟ إنه خوف الله عز وجل:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً}[الإنسان:٩] لعلنا أن نسمع النتيجة بفرح وسرور يوم أن يقول الحق عز وجل: {فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}[الإنسان:١١-٢٢] جزاءً على ما صبرتم، جزاءً على ما حبستم النفس عن شهواتها، جزاءً على ما تكلمتم ونصحتم وأنكرتم وأمرتم، جزاءً على ما بذلتم من أموالكم وفعلتم وتقدمتم وتحركتم، جزاءً على كل خير كان كلمة أو فعلاً، جزاءً على كل شيء قمتم به في هذه الدنيا {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}[الإنسان:٢٢] .