للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مساكين في بلدك]

أولاً: كما أن هناك ملايين المستضعفين في الخارج، فلا ننس إخواناً لنا في الداخل انقطعت بهم السبل، وضاقت بهم الحيل.

تفقَّد رجلاً فقيراً أسيراً لمرض كثير العيال، أو أرملة ضعيفة كثيرة العيال شديدة الحال، وأيتاماً يبحثون عمن يؤنس وحشتهم ويمسح دمعتهم، أو مغترباً أتى يبحث عن لقمة العيش ترك بلده وزوجه وأهله، يعرق جبينه من كثرة العمل، وتدمع عينه من شدة الظلم والإهانة.

أقول: كل هؤلاء وأمثالهم يفتشون عن ذلك الإنسان، صاحب القلب الرقيق، والضمير الحي، صاحب القلب الذي يخاف الله ويخشاه، يمد يده البيضاء لكل مسلم أثقلته الهموم وأوهنته الحاجات.

كل هؤلاء وأمثالهم يفتشون عن ذلك الإنسان، ينظرون إلى عينه هل تدمع، وإلى شفتيه هل تبتسم، وإلى الكلمة الطيبة من لسانه، وإلى يده يشد بها على يد الضعيف والمحتاج.

أيها الإنسان! إياك وحيل النفس ومداخل الشيطان، فلربما قيل لك: إن هذا يخدعك ويدلس عليك، وإن هذا يكذب عليك! نعم.

هناك من يكذب، وهناك من يخدع، وهناك من يتلبس بلباس الفقراء والمساكين نشكو أمرهم إلى الله، وهذا يدعوك للتثبت والتحقق والبحث عن المحتاجين الصادقين، وسؤال العارفين المخلصين، لكنه لا يدعوك إلى الإمساك وعدم البذل والعطاء، ونشر قصص الكاذبين المدلسين وإساءة الظن بالجميع.

هذا أمر.

واسمع لحال هذا الأخ، وقد هده الفقر والعوز في العيد:

أخ في العيد قد مدت يداه وفوق الخد تدمى مقلتاه

بدا في العيد في هم وغم كأن الناس قد قتلوا أباه

ويوم العيد والدنيا سرور فتى قد هان تسنده عصاه

يصارع وطأة الأيام حتى رنا للأفق فاسودّت رؤاه

ويحمل فوق عاتقه هموما ينوء بها وقد ثقلت خطاه

يسير هناك متئدا هزيلا فهل تدري لما خارت قواه؟!

يعاني الفقر لا يدري لماذا يغالبه ويمعن في أذاه؟!

تعامى الناس عنه فلم يواسوا وقد صموا فما سمعوا نداه

فسار وفي حناياه دموع وفي عينيه نار من لظاه

وقد سلك الطريق بدون وعي فلا يدري إلى أين اتجاه؟

وبين ضلوعه ألم دفين تردد في جوانحه صداه

وجاء العيد والدنيا ضياء وكل الناس أبهجهم لقاه

وجاء العيد فامتلأت قلوب بنور فاض يرسله سناه

وهذا البائس المسكين أضحى بلا أمل وطال به أساه

وبين الناس صنف ذو ثراء وفي الدنيا يحقق مشتهاه

فيرتع في النعيم بلا حساب ويعمى عن أخيه فلا يراه

وما أدري، ولست أخال أدري لماذا ينكر الهاني أخاه؟!

ويوم الدين والأعمال تدنو سيلقى المرء ما صنعت يداه

أخا الإسلام إن البرَّ شيء يسرّك في القيامة أن تراه

أخوك البائس المسكين يبدو بلا مال ويخجله حياه

فجد بالخير واستبق العطايا فيوم الدين يجزيك الإله

<<  <  ج: ص:  >  >>