للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المِغْفَرُ، فكُلما أهوى عُروةُ بيدِهِ إلى لحيةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ضرَبَ يدَهُ بنعل

السيفِ (١٤)، وقالَ لهُ: أخرْ يَدَكَ عن لحيةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فرَفَعَ عُروةُ رأسهُ، فقالَ: مَن هذا؛ قالوا: المُغيرةُ بن شعبةَ، فقال: أيْ غُدَرُ (١٥)! ألستُ أسعى في غَدْرَتِكَ (١٦)، وكانَ المغيرةُ صَحِبَ قوماً في الجاهليةِ، فقَتَلَهُم، وأخَذَ أموالَهُم، ثم جاءَ، فأسلَمَ، فقالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اما الِإسلامُ فاقبلُ، وأما المالُ فلستُ منه في شيء".

ثم إنَّ عروةَ جَعَلَ يَرمُقُ أصحابَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينَيْهِ، قالَ: فواللهِ ما تَنَخمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نخامةً، إلا وقعت في كفً رجُلٍ منهُم، فدَلَكَ بها وجهَهُ وجِلْدَهُ، وإذا أمرَهم ابْتَدروا أمرَهُ، وإذا تَوَضأ كادوا يَقْتَتِلونَ على وضوئهِ، وإذا تَكَلمَ خَفَضوا أصواتَهم عندَهُ، وما يُحِدونَ إليهِ النًظَرَ تعظيماً لهُ، فرَجَعَ عروةُ إلى أصحابِهِ، فقالَ: أي قومِ! واللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ على المُلوكِ، ووَفَدْتُ على قَيصرَ، وكسرى، والنجاشي، واللهِ إنْ رأيتُ مَلِكاً قَط يُعَظمُهُ أصحابُهُ ما يُعَظَمُ أصحابُ محمدٍ محمداً، واللهِ إنْ تَنَخمَ نُخامةً (١٧) إلا وقعَتْ في كَفً رجُل منهم، فدَلَك بها وَجْهَهُ وجِلْدَهُ، وإذا


= وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير، لكن كان - صلى الله عليه وسلم - يفضي لعروة عن ذلك استمالة له، وتأليفاً، والمغيرة يمنعه إجلالًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً.
(١٤) هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها.
(١٥) (غُدَر) يعني: يا من فعله كله الغدر.
(١٦) أي: ألست أسعى في دفع شر غدرتك، يشير عروة بهذا إلى ما وقع للمغيرة قبل إسلامه، وقتله ثلاثة عشر نفراً من ثقيف غدراً. انظر "الفتح".
(١٧) قلت: فعلوا ذلك تبركا به - صلى الله عليه وسلم - وحباً له، وقد أقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه لحكمةٍ بالغة، ظهرت فيما يأتي من القصة، وقد جاءَ ما يُشْعِرُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرفهم عن ذلك في حادثة أخرى، كما حققتُه في بعض مؤلفاتي. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة" (٢٩٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>