وفي أواخر النهار، أرسل السيد الشريف محمد بن بركات مرسوما جاءه إلى القاضيين الحنفي والمالكي، وفيه توبيخ لهما بأن الشكوى فيهما كثيرة، وأنهما يتعصبان ويحكمان بكذا، وقد عزلناهما وقد [سألت](١) مراحمنا الشريفة في عودهما، فأعدناهما، وإن عادا لذلك فما يقبل فيهما شفاعة، فتأخذون عليهما في ذلك وقد جهزنا لهما خلعتين.
ففي ثاني تاريخه يوم الثلاثاء، حضر الحنفي وجماعته إلى الأمير الخادم مختص، فلم يؤذن له، واستمر عند باب مدرسة السلطان، إلى أن حضرت جنازة الطفلة بنت القاضي الصلاحي بن قاضي القضاة الشافعي الجمالي أبي السعود إلى المسجد، وكان موتها في أول هذا النهار، وصلى عليها عند الحجر الأسود كعادة سلفها، وصعد بها إلى المعلاة ودفنت، وعاد الناس، ففي عود القاضيين الشافعي والمالكي فوصلا إليه، لقيهما رسول من الأمير مختص يطلبهما للبس المالكي فوصلا إليه في جمع كبير من الفقهاء، فلبس القاضي المالكي الخلعة وهو ثوب صوف أخضر ومن فوقه صوف أبيض بفرو، وتطليس بالطرحة، وعاد إلى بيته ومعه الشافعي والخطيب وخلق، كل ذلك والحنفي بالمكان المذكور، ثم طلع الحنفي وليس معه غير والده، وأخيه، وولده/وابن عمهم، ولبس كالأول وعاد إلى بيته راكبا على فرسه، وأمامه أخوه على بغلته، ورسول الأمير أمامه يقول:
حاشاك، وأستهجن الناس ذلك، لكنه ما عمل هذا إلا بعد أن عرف أن أحدا لا يوافيه، فإن أهل مكة كلهم هجروه لترفعه لغير موجب، وأذكر في ذلك ما قاله بعض الأدباء في اسلافه وهو:
(١) وردت في الأصول "سلبت"، وما أثبتناه هو الصواب من العز ابن فهد: غاية المرام ٢/ ٥٩٥.