فأجاب لعله بانها ما تملئ إلا في الثلاثة أشهر فما قبل له العذر، وقيل له أعمل المصلحة فامتنع فطلب إليه وقيل لا بد من المصلحة وخرج من عنده فما مكن إلا في الجلوس في المسجد حتى عمل مصلحته بعشرة أشرفية، وجماعة بخمسة وأحضرها قبل توجهه، ويقال: أنه أخذ من السوق الجوار نحو أربعين أو خمسين دينارا فإنه كراه مائة وأربعين، فقال خمسين لي وتسعين للوقف، وكان الجابي والمباشرون لوقف السلطان الأشرف قايتباي يقولون بأنهم يصرفون للناس على حكم الثلاثين فكلموه في الموسم ينظر في القضة فأرضوه وما صرفوا للناس إلا على النصف خلا الكبار وأهل المراسيم والشفاعات، فالله يولي على المسلمين خيارهم ويذهب عنهم شرارهم، والمسموع عنه كثير، والله أعلم بحقيقة ذلك (١).
وفي نحو نصف العشر الأخير وصل مركب يوسف التركي من كنباية.
وفي ليلة الأربعاء سادس عشري الشهر ماتت ست الكل بنت قاضي القضاة نور الدين علي بن أبي الليث بن الضياء الحنفي، وصلى عليها بعد العصر عند باب الكعبة ودفنت بالمعلاة، أمها سعادة بنت قاضي القضاة الجمالي أبي السعود بن ظهيرة.
وفي ثاني عشري/محرم الحرام في هذه السنة وقع بين علماء مكة في أمر القهوة وكان بمكة إذ ذاك الشيخ شمس الدين بن الخطيب المصري فأفتى بتحريمها فقام عليه الناس فتوجه إلى الأمير خاير بك المعمار وأغراه على ذلك فعقد مجلس للعلماء بقاعة
(١) كان الأمراء المماليك في مكة يظلمون الناس ويتجرأون على الحرمات وعلى الحقوق ولا يراعون حرمة مكة المكرمة حرم الله الآمن، وإلى ذلك يشير المصنف عندما قام باش المماليك بضرب أربعة من الرعية حتى الموت، وهذا يدل على الوحشية والقسوة فما كان من الشريفين قايتباي وبركات إلا أنهما تدخلا رفقا بالرعية وهددوه بإخبار السلطان بما حدث حتى اضطر إلى الاعتذار إليهما، وهذا يدل على أنهما كانا عين السلطان الساهرة على تصرفات باش المماليك.