وكلكم عليه فتكلم من منكم وكانوا في أول المجلس سألوا الخصم عن القضية هل هي لك؟ قال: لزوجتي فقالوا: هل هي في عصمتك؟ فقال: مطلقتي. فقالوا: له لا يجوز لك التكلم عنها فقال: قد وكلتني فقال: ليس الوكيل إلا شمس فقال: أنا وكلته نيابة في التكلم عني وقد عزلته، فقال: مذهبي لا يجوز عزل الوكيل بعد أن دخل في القضية وأنت قد أسأت علي وضربتك لأساءتك فقال: ما الذي قلته لك، فقال: القاضي معي شهود فقال الخصم أنا ما ذكرت إلا إن خصمي يحلف لي أن شهوده الذين شهدوا على زوجتي شهدوا بحق وأنت ضربتني لأجل ذلك بالفعل، فقال: يجوز لي أن أؤدبك/ إذا أسأت على فعال ما صدر مني شئ فصار القاضي وأصحابه يسكتون الخصم ويستطيلون عليه بالكلام وهو ثابت، والأميران تكلمان عليه ويقولان ما نحن بمكة لأي شيء جئنا، وهو يقول ليس لي عليكم سطاوة، وإنما رحت لأستاذي عرفته بما جرى لي فلم يصغوا إلى كلامه وأظهر كل من في المجلس الغضب بحيث قالوا: له أنت سوقي ليس لك التكلم مع قضاة الشرع، فقال: ما صدر مني شيء في حقه وهم يكذبونه ولا يذكرون شيئا مما صدر منه في حق القاضي، فلما فهم الدويدار فارس ذلك قام من المجلس وأظهر الغيظ عليهم فنادوه بعد ذلك وتكلموا في الصلح، وأمروا الخصم بالسلام على القاضي فسلم عليه موافقة لقولهم ولم تقض له حاجة فأمر القاضي الشافعي بكتابة محضر بصورة ما وقع وخرج الخصم وهو محتسبا بالله تعالى، وصار أصحاب القاضي المالكي [يتحججون](١) بهذه القضية، وفي الحقيقة أنها نقص في حقه فإن بعضهم اختفى، وهذا العقد لمجلس لم يتفق لأحد من القضاة قبله، ولولا خفة القاضي وجرأته ما وقع شيء من ذلك وقد أنشد الشعراء في القاضي وأصحابه قوله:
مكتفيا حال النويري انجلا … بأنه بين الملا
(١) وردت الكلمة في الأصل "يتحجون" والتعديل من (ب) لسياق المعنى.