[قصة رجوع المرأة الروسية المسلمة إلى بلدها مع زوجها وما حصل لها مع مدراء الجوازات هناك]
يقول هذا الرجل المتحدث صاحب المكتب: انقطعت أخبار هذا الرجل زوج الروسية وهو فيما يبدو لي من فلسطين، قال: انقطعت أخباره فترة طويلة من الزمن خمسة أشهر أو ستة أشهر أو قريباً من ذلك، يقول: ثم جاء إلي بعد ذلك فقلت له: أين أنت هذه المدة لم نرك فيها، لقد كنت تأتي إلي كل أسبوع أو أسبوعين والآن مدة طويلة فماذا حصل لك؟ فقال لي: لا أنا ما انقطعت عنك لأن هناك مصلحة بيني وبينك فانتهت فقطعتها بانتهاء المصلحة لا؛ بل لأن هناك ظروفاً ألجأتني إلى هذا الانقطاع، وجئت إليك الآن لأريها لك؛ لأن فيها درساً وعبرة.
وهذه أيها الأحبة الكرام هي لب موضوعنا الآن، يقول: بعد أن تزوجت هذه المرأة وعشت معها مستريحاً وأحببتها حباً كاملاً ملك علي كل كياني وكل قلبي وكل ضميري وكل أحاسيسي ومشاعري، يقول: وقعنا في مشكلة، وهذه المشكلة أن جواز هذه المرأة قد انتهى ولا بد أن يجدد، والإشكالية الأخرى أن هذا الجواز فيه مشكلة لا بد أن يجدد من البلد الذي تنتمي إليه المرأة، أو بمعنى أدق من المدينة التي تنتمي إليها المرأة، بمعنى: أنه لا يجدد في السفارة، بل لا بد من السفر، وإلا تعتبر إقامتها إقامة غير نظامية، يقول: فقررنا أن نسافر إلى روسيا، والحالة المادية تستدعي البحث عن أرخص خطوط موجودة، وفعلاً: وجدنا أن أرخص خطوط هي الخطوط الروسية، فأخذنا مقعدين وركبنا الطائرة، وركبت زوجتي بحجابها الكامل، يا امرأة يا أمة الله يا أمة السلام نحن سنقع في إشكاليات الآن، قالت: يا خالد أنت الآن تريد مني أن أطيع هؤلاء الكفرة الفجرة وقود النار لو ماتوا على ما هم عليه وأعصي الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يصدر هذا.
أسلمت من أشهر، فانظروا إلى قوة تمسكها بإسلامها وحجابها.
يقول: فركبنا وبدأ الناس ينظرون إلينا وبدأن المضيفات يوزعن الطعام، ومع الطعام الخمر، وبدأ الخمر يعمل في الرءوس، وبدأت الألفاظ تخرج بدون ضابط، فتندر وضحك وسخرية وإشارة ونظرات، ويقفون بجانبنا ويعلقون علينا، يقول: أنا لا أفهم كلمة، أما زوجتي فكانت تبتسم وتترجم لي هذا يقول: انظروا إليها كأنها كذا وكأنها كذا، وهذا يعلق وهذا يتندر وهذا، فأنا كلما قالت لي كلمة أحسست أن سهاماً تدخل قلبي ولا تخرج منه، أما هي فتقول: لا تحزن ولا يضق صدرك، فهذا أمر يسير في مقابل ما جابهه الصحابة، وما حصل للصحابيات من بلاء.
يقول: وصلنا إلى المدينة المرادة، وعندما نزلنا في المطار كان في ذهني نظرة عادية جداً وهي أن نذهب إلى أهلها ونسكن عندهم، ثم بعد ذلك ننهي إجراءاتنا ونعود، لكن نظرة المرأة هذه كانت بعيدة، قالت: أهلي متميزون بتمسكهم وعصبيتهم لدينهم، فلا أريد أن أذهب إليهم، لكن نستأجر غرفة ونبقى فيها، وننهي إجراءات الجواز، ثم بعد ذلك نزور أهلي، فرأيت أن هذا رأياً صواباً، يقول: استأجرنا غرفة، ثم ذهبنا ودخلنا على الموظف الأول والثاني والثالث نريد إنهاء الإجراءات، وكل منهم يطلب منا الجواز القديم وصورة للمرأة، فتخرج المرأة صوراً لها بالأسود والأبيض وعليها حجاب لا يظهر في هذه الصورة إلا دائرة الوجه فقط، فكل موظف يقول: لا، هذه الصور مخالفة، لكن نريد صورة ملونة ويظهر فيها الوجه والشعر والرقبة كاملةً، فتقول المرأة: لا يمكن أن أصور هذه الصورة أبداً، فكان كل موظف يقول: لا يمكن أن أعطيك جوازاً إلا بهذه المواصفات، فكل موظف يحيلنا على الآخر والثالث والرابع إلى أن أحالونا إلى المديرة الأصلية في الفرع وكانت امرأة، فذهبت إليها زوجتي وقالت لها تقنعها: ألا ترين صورتي الحقيقية وتقارنيها بالصور التي معك، قالت: نعم، ولكن النظام يقول: لا بد من صورة ملونة بالمواصفات التالية وأصرت، قلنا لها: ما الحل؟ كانت خبيثة فعلاً، قالت: لا يحل لكم الإشكال إلا مدير الجوازات الأصلية الكبرى في موسكو، فالتفتت إلى خالد وقالت له: يا خالد نسافر إلى موسكو، قال: قلت لها: يا زوجتي العزيزة أحاول أن أقنعها، يقول تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦]، ويقول عز وجل:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، وهذا جواز يراه مجموعة من الأشخاص فقط للضرورة ثم تخفينه في بيتك إلى أن تنتهي مدته، كم مدته خمس ست سبع سنوات، فقالت: لا، لا يمكن أن أظهر بصورة متبرجة بعد أن عرفت دين الله سبحانه وتعالى، إذا كنت رافضاً أن أسافر إلى موسكو فلعلي للضرورة أسافر لوحدي، وألتمس في ذلك حكماً؛ لأن الأمر ضروري، وهذا لعله أسلوب ضغط على زوجها، يقول: قررت وسافرت معها ووصلنا موسكو واستأجرنا غرفة، ومن الغد ذهبنا إلى مدير الجوازات، فدخلنا على الموظف الأول والثاني والثالث، وحصل في المدينة في موسكو نفس الذي حصل في المدينة، وفي نهاية المطاف وصلنا إلى المدير الأصل ودخلنا عليه، وكان من أشد الناس كفراً، فعندما رأى الجواز ورأى الصور قال: من يثبت لي أنك صاحبة هذه الصور، يريد أن تكشف وجهها، قالت: قل لأحد الموظفات عندك أو السكرتيرات تأتي وتقارن، أما أنت فلن تقارن، فأخذ الجواز وأخذ الصور وجعلها مع بعضها وأدخلها في درج مكتبه وأغلقها، وقال: ليس لك جواز قديم ولا جديد إلا بعد أن تأتي إلي بالصور المطابقة تماماً، يقول: حاولنا نقنعه وحاولنا ما فيه فائدة، فعدت كذلك أناقشها في قضية الصورة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولكنها كانت ترد علي بآية وتقول لي: يا خالد لقد تعلمت في دار تحفيظ القرآن: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:٢ - ٣]، وأثناء النقاش بيني وبينها غضب مدير الجوازات، فطردنا من مكتبه، خرجنا من دار الجوازات بأكملها وذهبنا لنتدارس الأمر في غرفتنا، أنا أقنع وهي ترد، أنا آتي بحجة وهي تأتي بحجة إلى أن جاء الليل، وعندما جاء الليل صلينا العشاء ثم أكلنا ما تيسر، ثم أردت أن أنام، قالت لي: خالد في هذا الموقف العصيب تنام؟! نحن نعيش موقفاً يحتاج منا إلى لجوء إلى الله سبحانه وتعالى، قم لنلجأ إلى الله، فإن هذا وقت اللجوء، يقول: قمت وصليت ما شاء الله لي أن أصلي ثم نمت، أما هي فاستمرت تصلي، وكان كلما استيقظت ونظرت فرأيتها إما راكعة أو ساجدة أو قائمة أو داعية أو باكية إلى أن ظهر الفجر، ثم أيقظتني وقالت: لقد دخل وقت الفجر فهلم لنصلي الفريضة، يقول: قمت وتوضأت وصلينا، ثم نامت قليلاً، ثم بعد ذلك قالت: لنذهب إلى الجوازات، نذهب بأي حجة أين الصور؟! ليس معنا صور؟! قالت: لنذهب ونحاول لا تيئس من روح الله، لا تقنط من رحمة الله، يقول: فذهبنا، ووالله منذ وطئت أقدامنا أول مكتب من مكاتب الجوازات، وزوجتي شكلها مميز ومعروف، عليها عباءة كاملة تغطي كل أجزاء جسدها، وإذا بأحد الموظفين ينادي فلانة بنت فلان؟ وتقول: نعم، قال: خذي جوازك، لقد أنهي الجواز بذات المواصفات المطلوبة، ولكن ادفعوا الرسوم فقط، يقول: ففرحنا، ووالله لو طلبوا كل المال الذي معنا لدفعناه، أخذنا الجواز ودفعنا الرسوم ثم عدنا وهي تنظر إلي وتقول: ألم أقل لك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:٢]، يقول: والله إن الكلمة التي صدرت منها حفرت في قلبي تربية إيمانية لم أتلقها منذ سنين طوال من تربية تلقيتها، من دروس ومحاضرات سمعتها إلى غير ذلك.